تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ١٨٧
قومه، وتهديد لهم كما يؤيده توجيه الخطاب في قوله: " هل أتاك ".
وفي القصة مع ذلك كله حجة على وقوع البعث والجزاء فإن هلاك فرعون وجنوده تلك الهلكة الهائلة دليل على حقية رسالة موسى من جانب الله إلى الناس ولا تتم رسالته من جانبه تعالى إلا بربوبية منه تعالى للناس على خلاف ما يزعمه المشركون أن لا ربوبية له تعالى بالنسبة إلى الناس وأن هناك أربابا دونه وأنه سبحانه رب الأرباب لا غير.
ففي قوله: " هل أتاك حديث موسى " استفهام بداعي ترغيب السامع في استماع الحديث ليتسلى به هو ويكون للمنكرين إنذارا بما فيه من ذكر العذاب وإتماما للحجة كما تقدم.
ولا ينافي هذا النوع من الاستفهام تقدم علم السامع بالحديث لان الغرض توجيه نظر السامع إلى الحديث دون السؤال والاستعلام حقيقة فمن الممكن أن تكون الآيات أول ما يقصه الله من قصة موسى أو تكون مسبوقة بذكر قصته كما في سورة المزمل إجمالا - وهي أقدم نزولا من سورة النازعات - وفي سورة الأعراف وطه وغيرهما تفصيلا.
قوله تعالى: " إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى " ظرف للحديث وهو أول ما أوحى الله إليه فقلده الرسالة، وطوى اسم للوادي المقدس.
قوله تعالى: " اذهب إلى فرعون إنه طغى " تفسير للنداء، وقيل: الكلام على تقدير القول أي قائلا اذهب " الخ " أو بتقدير أن المفسرة أي أن اذهب " الخ " وفي الوجهين أن التقدير مستغنى عنه، وقوله: " إنه طغى " تعليل للامر.
قوله تعالى: " فقل هل لك إلى أن تزكى " متعلق " إلى " محذوف والتقدير هل لك ميل إلى أن تتزكى أو ما في معناه، والمراد بالتزكي التطهر من قذارة الطغيان.
قوله تعالى: " وأهديك إلى ربك فتخشى " عطف على قوله: " تزكى "، والمراد بهدايته إياه إلى ربه - كما قيل - تعريفه له وإرشاده إلى معرفته تعالى وتترتب عليه الخشية منه الرادعة عن الطغيان وتعدي طور العبودية قال تعالى: " إنما يخشى الله من عباده العلماء " فاطر: 28.
والمراد بالتزكي إن كان هو التطهر عن الطغيان بالتوبة والرجوع إلى الله تعالى كانت الخشية مترتبة عليه والمراد بها الخشية الملازمة للايمان الداعية إلى الطاعة والرادعة عن المعصية، وإن كان هو التطهر بالطاعة وتجنب المعصية كان قوله: " وأهديك إلى ربك فتخشى " مفسرا لما قبله والعطف عطف تفسير.
(١٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 ... » »»
الفهرست