تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ١٨٣
وأئمة أهل البيت عليهم السلام فوق حد الاحصاء.
وكذا وساطتهم في مرحلة التشريع من النزول بالوحي ودفع الشياطين عن المداخلة فيه وتسديد النبي وتأييد المؤمنين وتطهيرهم بالاستغفار.
وأما وساطتهم في تدبير الأمور في هذه النشأة فيدل عليها ما في مفتتح هذه السورة من إطلاق قوله: " والنازعات غرقا والناشطات نشطا والسابحات سبحا فالسابقات سبقا فالمدبرات أمرا " بما تقدم من البيان.
وكذا قوله تعالى: " جاعل الملائكة رسلا اولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع " فاطر: 1 الظاهر بإطلاقه - على ما تقدم من تفسيره - في أنهم خلقوا وشأنهم أن يتوسطوا بينه تعالى وبين خلقه ويرسلوا لانفاذ أمره الذي يستفاد من قوله تعالى في صفتهم: " بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون " الأنبياء: 27، وقوله: " يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون " النحل: 50 وفي جعل الجناح لهم إشارة ذلك.
فلا شغل للملائكة إلا التوسط بينه تعالى وبين خلقه بإنفاذ أمره فيهم وليس ذلك على سبيل الاتفاق بأن يجري الله سبحانه أمرا بأيديهم ثم يجري مثله لا بتوسيطهم فلا اختلاف ولا تخلف في سنته تعالى: " إن ربي على صراط مستقيم " هود: 56، وقال " فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحيلا " فاطر: 43.
ومن الوساطة كون بعضهم فوق بعض مقاما وأمر العالي منهم السافل بشئ من التدبير فإنه في الحقيقة توسط من المتبوع بينه تعالى وبين تابعه في إيصال أمر الله تعالى كتوسط ملك الموت في أمر بعض أعوانه بقبض روح من الأرواح، قال تعالى حاكيا عن الملائكة: " وما منا إلا له مقام معلوم " الصافات: 164، وقال: " مطاع ثم أمين " التكوير: 21، وقال " حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق " سبأ: 23.
ولا ينافي هذا الذي ذكر من توسطهم بينه تعالى وبين الحوادث أعني كونهم أسبابا تستند إليها الحوادث استناد الحوادث إلى أسبابها القريبة المادية فإن السببية طويلة لا عرضية أي إن السبب القريب سبب للحادث والسبب البعيد سبب للسبب.
(١٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»
الفهرست