تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ١٩٢
والآية ظاهرة في أن الجحيم مخلوقة قبل يوم القيامة وإنما تظهر يومئذ ظهورا بكشف الغطاء عنها.
قوله تعالى: " فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى " تفصيل حال الناس يومئذ في انقسامهم قسمين أقيم مقام الاجمال الذي هو جواب إذا المحذوف استغناء بالتفصيل عن الاجمال، والتقدير فإذا جاءت الطامة الكبرى انقسم الناس قسمين فأما من طغى الخ.
وقد قسم تعالى الناس في الآيات الثلاث إلى أهل الجحيم وأهل الجنة - وقدم صفة أهل الجحيم لان وجه الكلام إلى المشركين - وعزف أهل الجحيم بما وصفهم به في قوله: " من طغى وآثر الحياة الدنيا " وقابل تعريفهم بتعريف أهل الجنة بقوله:
" من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى " وسبيل ما وصف به الطائفتين على أي حال سبيل بيان الضابط.
وإذ كانت الطائفتان متقابلتين بحسب حالهما كان ما بين لكل منهما من الوصف مقابلا لوصف الآخر فوصف أهل الجنة بالخوف من مقام ربهم - والخوف تأثر الضعيف المقهور من القوي القاهر وخشوعه وخضوعه له - يقتضي كون طغيان أهل الجحيم - والطغيان التعدي عن الحد - هو عدم تأثرهم من مقام ربهم بالاستكبار وخروجهم عن زي العبودية فلا يخشعون ولا يخضعون ولا يجرون على ما أراده منهم ولا يختارون ما اختاره لهم من السعادة الخالدة بل ما تهواه أنفسهم من زينة الحياة الدنيا.
فمن لوازم طغيانهم اختيارهم الحياة الدنيا وهو الذي وصفهم به بعد وصفهم بالطغيان إذ قال: وآثر الحياة الدنيا ".
وإذ كان من لوازم الطغيان رفض الآخرة وإيثار الحياة الدنيا وهو اتباع النفس فيما تريده وطاعتها فيما تهواه ومخالفته تعالى فيما يريده كان لما يقابل الطغيان من الوصف وهو الخوف ما يقابل الايثار واتباع هوى النفس وهو قريحة الردع عن الاخلاد إلى الأرض ونهي النفس عن اتباع الهوى وهو قوله في وصف أهل الجنة بعد وصفهم بالخوف: " ونهى النفس عن الهوى ".
وإنما أخذ في وصفه النهي عن الهوى دون ترك اتباعه عملا لان الانسان ضعيف ربما
(١٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 ... » »»
الفهرست