تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ١٨٤
كما لا ينافي توسطهم واستناد الحوادث إليهم استناد الحوادث إليه تعالى وكونه هو السبب الوحيد لها جميعا على ما يقتضيه توحيد الربوبية فإن السببية طولية كما سمعت لا عرضية ولا يزيد استناد الحوادث إلى الملائكة استنادها إلى أسبابها الطبيعية القريبة وقد صدق القرآن الكريم استناد الحوادث إلى الحوادث الطبيعية كما صدق استنادها إلى الملائكة.
وليس لشئ من الأسباب استقلال قباله تعالى حتى ينقطع عنه فيمنع ذلك استناد ما استند إليه إلى الله سبحانه على ما يقول به الوثنية من تفويضه تعالى تدبير الامر إلى الملائكة المقربين فالتوحيد القرآني ينفي الاستقلال عن كل شئ من كل جهة: لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.
فمثل الأشياء في استنادها إلى أسبابها المترتبة القريبة والبعيدة وانتهائها إلى الله سبحانه بوجه بعيد كمثل الكتابة يكتبها الانسان بيده وبالقلم فللكتابة استناد إلى القلم ثم إلى اليد التي توسلت إلى الكتابة بالقلم، وإلى الانسان الذي توسل إليها باليد وبالقلم، والسبب بحقيقة معناه هو الانسان المستقل بالسببية من غير أن ينافي سببيته استناد الكتابة بوجه إلى اليد وإلى القلم.
ولا منافاة أيضا بين ما تقدم أن شأن الملائكة هو التوسط في التدبير وبين ما يظهر من كلامه تعالى أن بعضهم أو جميعهم مداومون على عبادته تعالى وتسبيحه والسجود له كقوله: " ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون " الأنبياء: 20، وقوله: " إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون " الأعراف: 206.
وذلك لجواز أن تكون عبادتهم وسجودهم وتسبيحهم عين عملهم في التدبير وامتثالهم الامر الصادر عن ساحة العزة بالتوسط كما ربما يومي إليه قوله تعالى: " ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون " النحل: 49.
قوله تعالى: " يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة " فسرت الراجفة بالصيحة العظيمة التي فيها تردد واضطراب والرادفة بالمتأخرة التابعة، وعليه تنطبق الآيتان على نفختي للصور التي يدل عليهما قوله تعالى: " ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون " الزمر: 68.
(١٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 ... » »»
الفهرست