والسورة مكية بشهادة سياق آياتها.
قوله تعالى: " والمرسلات عرفا " الآية وما يتلوها إلى تمام ست آيات إقسام منه تعالى بأمور يعبر عنها بالمرسلات فالعاصفات والناشرات فالفارقات فالملقيات ذكرا عذرا أو نذرا، والأوليان أعني المرسلات عرفا والعاصفات عصفا لا تخلوان لو خليتا ونفسهما مع الغض عن السياق من ظهور ما في الرياح المتعاقبة الشديدة الهبوب لكن الأخيرة أعني الملقيات ذكرا عذرا أو نذرا كالصريحة في الملائكة النازلين على الرسل الحاملين لوحي الرسالة الملقين له إليهم إتماما للحجة أو إنذارا وبقية الصفات لا تأبى الحمل على ما يناسب هذا المعنى.
وحمل جميع الصفات الخمس على إرادة الرياح كما هو ظاهر المرسلات والعاصفات - على ما عرفت - يحتاج إلى تكلف شديد في توجيه الصفات الثلاث الباقية وخاصة في الصفة الأخيرة.
وكذا حمل المرسلات والعاصفات على إرادة الرياح وحمل الثلاث الباقية أو الأخيرتين أو الأخيرة فحسب على ملائكة الوحي إذ لا تناسب ظاهرا بين الرياح وبين ملائكة الوحي حتى يقارن بينها في الأقسام وينظم الجميع في سلك واحد، وما وجهوه به من مختلف التوجيهات معان بعيدة عن الذهن لا ينتقل إليها في مفتتح الكلام من غير تنبيه سابق.
فالوجه هو الغض عن هذه الأقاويل وهي كثيرة جدا لا تكاد تنضبط، وحمل المذكورات على إرادة ملائكة الوحي كنظيرتها في مفتتح سورة الصافات " والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا " وفي معناها قوله تعالى: " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم " الجن: 28.
فقوله: " والمرسلات عرفا " إقسام منه تعالى بها والعرف بالضم فالسكون الشعر النابت على عنق الفرس ويشبه به الأمور إذا تتابعت يقال: جاؤوا كعرف الفرس، ويستعار فيقال: جاء القطا عرفا أي متتابعة وجاؤا إليه عرفا واحدا أي متتابعين، والعرف أيضا المعروف من الأمر والنهي و " عرفا " حال بالمعنى الأول مفعول له بالمعنى الثاني، والارسال خلاف الامساك، وتأنيث المرسلات باعتبار الجماعات أو باعتبار الروح التي