اختيار العبد فليس مستندا إلى اختيار آخر، وقد تكرر توضيح هذا البحث في مواضع مما تقدم.
والآية مسوقة لدفع توهم أنهم مستقلون في مشيتهم منقطعون من مشية ربهم، ولعل تسجيل هذا التنبيه عليهم هو الوجه في الالتفات إلى الخطاب في قوله: " وما تشاؤن إلا أن يشاء الله " كما أن الوجه في الالتفات من التكلم بالغير إلى الغيبة في قوله: " يشاء الله إن الله " هو الإشارة إلى علة الحكم فإن مسمى هذا الاسم الجليل يبتدئ منه كل شئ وينتهي إليه كل شئ فلا تكون مشية إلا بمشيته ولا تؤثر مشية إلا بإذنه.
وقوله: " إن الله كان عليما حكيما " توطئة لبيان مضمون الآية التالية.
قوله تعالى: " يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما " مفعول " يشاء " محذوف يدل عليه الكلام، والتقدير يدخل في رحمته من يشاء دخوله في رحمته، ولا يشاء إلا دخول من آمن واتقى، وأما غيرهم وهم أهل الاثم والكفر فبين حالهم بقوله: " والظالمين أعد لهم عذابا أليما ".
والآية تبين سنته تعالى الجارية في عباده من حيث السعادة والشقاء، وقد علل ذلك بما في ذيل الآية السابقة من قوله: " إن الله كان عليما حكيما " فأفاد به أن سنته تعالى ليست سنة جزافية مبنية على الجهالة بل هو يعامل كلا من الطائفتين بما هو أهل له وسينبئهم حقيقة ما كانوا يعملون.
(بحث روائي) وفي الدر المنثور أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله:
" ولا تطع منهم آثما أو كفورا " قال: حدثنا أنها نزلت في عدو الله أبي جهل أقول: وهو أشبه بالتطبيق.
وفي المجمع في قوله تعالى " وسبحه ليلا طويلا " روي عن الرضا عليه السلام أنه سأله أحمد بن محمد عن هذه الآية وقال: ما ذلك التسبيح؟ قال: صلاة الليل.
وفي الخرائج والجرائح عن القائم عليه السلام في حديث يقول لكامل بن إبراهيم المدني:
وجئت تسأل عن مقالة المفوضة كذبوا بل قلوبنا أوعية لمشية الله عز وجل فإذا شاء شئنا، والله يقول " وما تشاؤن إلا أن يشاء الله ".