تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ١٥٦
وإنما ذكر الاكل والتمتع لان منكري المعاد لا يرون من السعادة إلا سعادة الحياة الدنيا ولا يرون لها من السعادة إلا الفوز بالاكل والتمتع كالحيوان العجم قال تعالى:
" والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الانعام والنار مثوى لهم " سورة محمد: 12.
وقوله: " إنكم مجرمون " تعليل لما يستفاد من الجملة السابقة المشتملة على الامر أي لا ينفعكم الاكل والتمتع قليلا لأنكم مجرمون بتكذيبكم بيوم الفصل وجزاء المكذبين به النار لا محالة.
قوله تعالى: " وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون " المراد بالركوع الصلاة كما قيل ولعل ذلك باعتبار اشتمالها على الركوع.
وقيل: المراد بالركوع المأمور به الخشوع والخضوع والتواضع له تعالى باستجابة دعوته وقبول كلامه واتباع دينه، وعبادته.
وقيل: المراد بالركوع ما يؤمرون بالسجود يوم القيامة كما يشير إليه قوله تعالى " ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون " القلم: 42 والوجهان لا يخلوان من بعد.
ووجه اتصال الآية بما قبلها أن الكلام كان مسوقا لتهديد المكذبين بيوم الفصل وبيان تبعة تكذيبهم به وتمم ذلك في هذه الآية بأنهم لا يعبدون الله إذا دعوا إلى عبادته كما ينكرون ذلك اليوم فلا معنى للعبادة مع نفي الجزاء، وليكون كالتوطئة لقوله الآتي:
" فبأي حديث بعده يؤمنون ".
ونسب إلى الزمخشري أن الآية متصلة بقوله في الآية السابقة: " للمكذبين " كأنه قيل: ويل يومئذ للذين كذبوا والذين إذا قيل لهم اركعوا لا يركعون.
وفي الآية التفات من الخطاب إلى الغيبة في قوله: " وإذا قيل لهم " الخ وجهه الاعراض عن مخاطبتهم بعد تركهم وأنفسهم يفعلون ما يشاؤن بقوله: " كلوا وتمتعوا ".
قوله تعالى: " فبأي حديث بعده يؤمنون " أي إذا لم يؤمنوا بالقرآن وهو آية معجزة إلهية، وقد بين لهم أن الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له وأن أمامهم يوم الفصل بأوضح البيان وساطع البرهان فبأي كلام بعد القرآن يؤمنون.
وهذا إيئاس من إيمانهم بالله ورسوله واليوم الآخر وكالتنبيه على أن رفع اليد عن دعوتهم إلى الايمان بإلقاء قوله: " كلوا وتمتعوا " إليهم في محله فليسوا بمؤمنين ولا فائدة في دعوتهم غير أن فيها إتماما للحجة.
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»
الفهرست