تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ١٦١
الإشارة بقوله: (هذا هدى) إلى القرآن ووصفه بالهدى للمبالغة نحو زيد عدل والرجز - كما قيل - أشد العذاب وأصله الاضطراب.
والآية في مقام الرد لما رموا به القرآن وعدوه مهانا بالهزء والسخرية وخلاصة وعيد من كفر بآياته.
قوله تعالى: (الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره) الخ، لما ذكر سبحانه حال الأفاكين من الاستكبار عن الايمان بالآيات إذا تليت عليهم والاستهزاء بما علموا منها وأوعدهم أبلغ الايعاد بأشد العذاب رجع إليهم بخطاب الجميع ممن يؤمن ويكفر، وذكر بعض آيات ربوبيته التي فيها من عظيم عليهم وليس في وسعهم إنكارها فذكر أولا تسخير البحر لهم ثم ما في السماوات والأرض جميعا ففيها آيات لا يكفر بها إلا من انسلخ عن الفطرة الانسانية ونسي التفكر الذي هو من أجلى خواص الانسان.
فقوله: (الله الذي سخر لكم البحر) اللام في (لكم) للغاية أي سخر لأجلكم البحر بأن خلقه على نحو يحمل الفلك ويقبل أن تجري فيه فينتفع به الانسان، ويمكن أن تكون للتعدية فيكون الانسان يسخر البحر بإذن الله.
وقوله: (لتجري الفلك فيه بأمره) غاية لتسخير البحر، وجريان الفلك فيه بأمره، هو إيجاد الجريان بكلمة كن فأثار الأشياء كنفس الأشياء منسوبة إليه تعالى وقوله: (ولتبتغوا من فضله) أي ولتطلبوا بركوبه عطيته تعالى وهو رزقه.
وقوله: (ولعلكم تشكرون) أي رجاء أن تشكروه تعالى قبال هذه النعمة التي هي تسخير البحر.
قوله تعالى: (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه) الخ، هذا من الترقي بعطف العام على الخاص، والكلام في (لكم) كالكلام في مثله في الآية السابقة، وقوله: (جميعا) تأكيد لما في السماوات والأرض أو حال منه.
وقوله: (سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا) معنى تسخيرها للانسان أن أجزاء العالم المشهود تجري على نظام واحد يحكم فيها ويربط بعضها ببعض ويربط
(١٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 ... » »»
الفهرست