للتعدية أو للمقابلة أي لتجزى مقابل ما كسبت إن كان طاعة فالثواب وإن كان معصية فالعقاب، وقوله: (وهم لا يظلمون) حال من كل نفس أي ولتجزي كل نفس بما كسبت بالعدل.
فيؤل معنى الآية إلى مثل قولنا وخلق الله السماوات والأرض بالحق وبالعدل فكون الخلق بالحق يقتضي أن يكون وراء هذا العالم عالم آخر يخلد فيه الموجودات وكون الخلق بالعدل يقتضي أن تجزى كل نفس ما تستحقه بكسبها فالمحسن يجزى جزاء حسنا والمسئ يجزى جزاء سيئا وإذ ليس ذلك في هذه النشأة ففي نشأة أخرى.
وبهذا البيان يظهر إن الآية تتضمن حجتين على المعاد إحداهما ما أشير إليه بقوله:
(وخلق الله السماوات والأرض بالحق) ويسلك من طريق الحق، والثانية ما أشير إليه بقوله: (ولتجزى) الخ، ويسلك من طريق العدل.
فتؤل الحجتان إلى ما يشتمل عليه قوله: (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) ص: 28.
والآية بما فيها من الحجة تبطل حسبانهم أن المسئ كالمحسن في الممات فإن حديث المجازاة بالثواب والعقاب على الطاعة والمعصية يوم القيامة ينفي تساوي المطيع والعاصي في الممات، ولازم ذلك إبطال حسبانهم أن المسئ كالمحسن في الحياة فإن ثبوت المجازاة يومئذ يقتضي وجوب الطاعة في الدنيا والمحسن على بصيرة من الامر في حياته يأتي بواجب العمل ويتزود من يومه لغده بخلاف المسئ العائش في عمى وضلال فليسا بمتساويين.
قوله تعالى: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم) إلى آخر الآية ظاهر السياق أن قوله: (أفرأيت) مسوق للتعجيب أي ألا تعجب ممن حاله هذا الحال؟
والمراد بقوله: (اتخذ إلهه هواه) حيث قدم (إلهه) على (هواه) أنه يعلم أن له إلها يجب أن يعبده - وهو الله سبحانه - لكنه يبدله من هواه ويجعل هواه مكانه فيعبده فهو كافر بالله سبحانه على علم منه، ولذلك عقبه بقوله: (وأضله الله على علم) أي إنه ضال عن السبيل وهو يعلم.
ومعنى اتخاذ الاله العبادة والمراد بها الإطاعة فإن الله سبحانه عد الطاعة عبادة كما في قوله: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن