تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ١٦٣
ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون - 18. إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين - 19.
(بيان) لما ذكر آيات الوحدانية وأشار فيها بعض الإشارة إلى المعاد وكذا إلى النبوة في ضمن ذكر تنزيل الكتاب وإيعاد المستكبرين المستهزئين به ذكر في هذه الآيات تشريع الشريعة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتوسل إلى ذلك بمقدمتين تربطانه بما تقدم من الكلام إحداهما دعوة المؤمنين إلى أن يكفوا عن التعرض لحال الكفار الذين لا يرجون أيام الله فإن الله مجازيهم لان الأعمال مسؤول عنها صالحة أو طالحة، وهذا هو السبب لتشريع الشريعة، والثانية: أن إنزال الكتاب والحكم والنبوة ليس ببدع فقد آتي الله بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة وآتاهم البينات التي لا يبقى معها في دين الله ريب لمرتاب إلا أن علماءهم اختلفوا فيه بغيا منهم وسيقضي الله بينهم.
ثم ذكر سبحانه تشريع الشريعة له وأمره باتباعها ونهاه عن اتباع أهواء الجاهلين.
قوله تعالى: (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) الخ، أمر منه تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يأمر المؤمنين أن يغفروا للكفار فيصير تقدير الآية: قل لهم:
اغفروا يغفروا فهي كقوله تعالى: (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة) إبراهيم: 31.
والآية مكية واقعة في سياق الآيات السابقة الواصفة لحال المستكبرين المستهزئين بآيات الله المهددة لهم بأشد العذاب وكأن المؤمنين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا إذا رأوا هؤلاء المستهزئين يبالغون في طعنهم وإهانتهم للنبي واستهزائهم بآيات الله لم يتمالكوا أنفسهم دون أن يدافعوا عن كتاب الله ومن أرسله به ويدعوهم إلى رفض ما هم فيه والايمان مع كونهم ممن حقت عليهم كلمة العذاب كما هو ظاهر الآيات السابقة، فأمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يأمرهم بالعفو والصفح عنهم وعدم التعرض لحالهم فإن وبال أعمالهم
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»
الفهرست