تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ١٦٦
قوله تعالى: (وآتيناهم بينات من الامر) إلى آخر الآية المراد بالبينات الآيات البينات التي تزيل كل شك وريب تمحوه عن الحق ويشهد بذلك تفريع قوله: (فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم).
والمراد بالامر قيل: هو أمر الدين، و (من) بمعنى في والمعنى: وأعطيناهم دلائل بينة في أمر الدين ويندرج فيه معجزات موسى عليه السلام.
وقيل: المراد به أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمعنى: آتيناهم آيات من أمر النبي وعلامات مبينة لصدقة كظهوره في مكة ومهاجرته منها إلى يثرب ونصرة أهله وغير ذلك مما كان مذكورا في كتبهم.
وقوله: (فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم) يشير إلى أن ما ظهر بينهم من الاختلاف في الدين واختلاط الباطل بالحق لم يكن عن شبهة أو جهل وإنما أوجدها علماؤهم بغيا وكان البغي دائرا بينهم.
وقوله: (إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) إشارة إلى أن اختلافهم الذي لا يخلو من اختلاط الباطل بالحق لا يذهب سدى وسيؤثر أثره ويقضي الله بينهم يوم القيامة فيجزون على حسب ما يستدعيه أعمالهم.
قوله تعالى: (ثم جعلناك على شريعة من الامر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ويشاركه فيه أمته، والشريعة طريق ورود الماء والامر أمر الدين، والمعنى: بعد ما آتينا بني إسرائيل ما آتينا جعلناك على طريقة خاصة من أمر الدين الإلهي وهي الشريعة الاسلامية التي خص الله بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمته.
وقوله: (فاتبعها) الخ، أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم باتباع ما يوحى إليه من الدين وأن لا يتبع أهواء الجاهلين المخالفة للدين الإلهي.
ويظهر من الآية أولا: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكلف بالدين كسائر الأمة.
وثانيا: أن كل حكم عملي لم يستند إلى الوحي الإلهي ولم ينته إليه فهو هوى من أهواء الجاهلين غير منتسب إلى العلم.
قوله تعالى: (إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا) الخ، تعليل للنهي عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون، والاغناء من شئ رفع الحاجة إليه، والمحصل: أن لك إلى الله سبحانه حوائج ضرورية لا يرفعها إلا هو والذريعة إلى ذلك اتباع دينه لا غير فلا
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»
الفهرست