(بحث فلسفي ودفع شبهة) تظافرت الاخبار من طرق أئمة أهل البيت أن الله سبحانه علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليه السلام علم كل شئ، وفسر ذلك في بعضها أن علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طريق الوحي وأن علم الأئمة عليه السلام ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وأورد عليه أن المأثور من سيرتهم أنهم كانوا يعيشون مدى حياتهم عيشة سائر الناس فيقصدون مقاصدهم ساعين إليها على ما يرشد إليه الأسباب الظاهرية ويهدي إليه السبل العادية فربما أصابوا مقاصدهم وربما أخطأ بهم الطريق فلم يصيبوا، ولو علموا الغيب لم يخيبوا في سعيهم أبدا فالعاقل لا يترك سبيلا يعلم يقينا أنه مصيب فيه ولا يسلك سبيلا يعلم يقينا أنه مخطئ فيه.
وقد أصيبوا بمصائب ليس من الجائز أن يلقى الانسان نفسه في مهلكتها لو علم بواقع الامر كما أصيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد بما أصيب، وأصيب علي عليه السلام في مسجد الكوفة حين فتك به المرادي لعنه الله، وأصيب الحسين عليه السلام فقتل في كربلاء، وأصيب سائر الأئمة بالسم، فلو كانوا يعلمون ما سيجري عليهم كان ذلك من إلقاء النفس في التهلكة وهو محرم، والاشكال كما ترى مأخوذ من الآيتين: (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير) (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم).
ويرده أنه مغالطة بالخلط بين العلوم العادية وغير العادية فالعلم غير العادي بحقائق الأمور لا أثر له في تغيير مجرى الحوادث الخارجية.
توضيح ذلك أن أفعالنا الاختيارية كما تتعلق بإرادتنا كذلك تتعلق بعلل وشرائط أخرى مادية زمانية ومكانية إذا اجتمعت عليها تلك العلل والشرائط وتمت بالإرادة تحققت العلة التامة وكان تحقق الفعل عند ذلك واجبا ضروريا إذ من المستحيل تخلف المعلول عن علته التامة.
فنسبة الفعل وهو معلول إلى علته التامة نسبة الوجوب والضرورة كنسبة جميع الحوادث إلى عللها التامة، ونسبته إلى إرادتنا وهي جزء علته نسبة الجواز والامكان.
فتبين أن جميع الحوادث الخارجية ومنها أفعالنا الاختيارية واجبة الحصول في