تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ١٦٥
بل من عمل صالحا انتفع به ومن أساء العمل تضرر به ثم إلى ربكم ترجعون فيجزيكم حسب أعمالكم أن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا قوله تعالى: (ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة) الخ، لما بين أن للأعمال آثارا حسنة أو سيئة تلحق صاحبيها أراد التنبيه على تشريع شريعة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ كان على الله سبحانه أن يهدي عباده إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم كما قال تعالى: (وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر) النحل: 9.
فنبه على ذلك بقوله الآتي: (ثم جعلناك على شريعة من الامر) الخ، وقدم على ذلك الإشارة إلى ما آتي بني إسرائيل من الكتاب والحكم والنبوة ورزقهم من الطيبات وتفضيلهم وإيتائهم البينات ليؤذن به أن الإفاضة الإلهية بالشريعة والنبوة والكتاب ليست ببدع لم يسبق إليه بل لها نظير في بني إسرائيل وهم بمرآهم ومسمعهم.
فقوله: (ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة) المراد بالكتاب التوراة المشتملة على شريعة موسى عليه السلام وأما الإنجيل فلا يتضمن الشريعة وشريعته شريعة التوراة، وأما زبور داود فهي أدعية وأذكار ويمكن أن يراد بالكتاب جنسه الشامل للتوراة والإنجيل والزبور كما قيل لكن يبعده أن الكتاب لم يطلق في القرآن إلا على ما يشتمل على الشريعة.
والمراد بالحكم بقرينة ذكره مع الكتاب ما يحكم ويقضي به الكتاب من وظائف الناس كما يذكره قوله تعالى: (وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) البقرة: 213، وقال في التوراة: (يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله) المائدة: 44، فالحكم من لوازم الكتاب كما أن النبوة من لوازمه.
والمراد بالنبوة معلوم وقد بعث الله من بني إسرائيل جما غفيرا من الأنبياء كما في الاخبار وقص في كتابه جماعة من رسلهم.
وقوله: (ورزقناهم من الطيبات) أي طيبات الرزق ومن ذلك المن والسلوى.
وقوله: (وفضلنا هم على العالمين) إن كان المراد جميع العالمين فقد فضلوا من بعض الجهات ككثرة الأنبياء المبعوثين والمعجزات الكثيرة الظاهرة من أنبيائهم، وإن كان المراد عالمي زمانهم فقد فضلوا من جميع الجهات.
(١٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 ... » »»
الفهرست