تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ١٥٧
بالمؤمنين وآية الانسان وسائر الحيوان بقوم يوقنون، وآية اختلاف الليل والنهار والأمطار وتصريف الرياح بقوم يعقلون.
ولعل الوجه في ذلك أن آية السماوات والأرض تدل بدلالة بسيطة ساذجة على أنها لم توجد نفسها بنفسها ولا عن اتفاق وصدفة بل لها موجد أوجدها مع ما لها من الآثار والافعال التي يتحصل منها النظام المشهود فخالقها خالق الجميع ورب الكل، والانسان يدرك ذلك بفهمه البسيط الساذج والمؤمنون بجميع طبقاتهم يفهمون ذلك وينتفعون به.
وأما أنه خلق الانسان وسائر الدواب التي لها حياة وشعور فإنها من حيث أرواحها ونفوسها الحية الشاعرة من عالم وراء عالم المادة وهو المسمى بالملكوت وقد خص القرآن كمال إدراكه ومشاهدته بأهل اليقين كما قال: (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) الانعام: 75.
وأما آية اختلاف الليل والنهار والأمطار المحيية للأرض وتصريف الرياح فإنها لتنوع أقسامها وتعدد جهاتها وارتباطها بالأرض والأرضيات وكثرة فوائدها وسعة منافعها تحتاج إلى تعقل فكري تفصيلي عميق ولا تنال بالفهم البسيط الساذج ولذلك خصت بقوم يعقلون والآيات آيات لجميع الناس لكن لما كان المنتفع بها بعضهم خصت بهم.
وقد عبر عن أهل اليقين والعقل بقوم يوقنون وبقوم يعقلون وعن أهل الايمان بالمؤمنين لان بساطة آية أهل الايمان تفيد أن المراد بالايمان أصله وهو ثابت فيهم فناسب التعبير عنهم بالوصف بخلاف آيتي أهل اليقين والعقل فإنهما لدقتهما وعلو منالهما تدركان شيئا فشيئا فنا سبتا التعبير بالفعل المضارع الدال على الاستمرار التجددي.
وقيل في وجه ما في الآيات الثلاث من الترتيب بين أهلها حيث ذكر أولا أهل الايمان ثم الايقان ثم العقل أنه على ترتيب الترقي فإن الايقان مرتبة خاصة في الايمان فهو بعد الايمان والعقل مدار الايمان والايقان ونعني العقل المؤيد بنور البصيرة فبسببه يخلص اليقين من اعتراء الشكوك من كل وجه وفي استحكامه كل خير. وروعي في ترتيب الآيات ما روعي في ترتيب المراتب الثلاث.

(1) هذا الوجه مستفاد من الكشاف، وما يتلوه لصاحب الكشف، والوجه الأخير للرازي في التفسير الكبير.
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»
الفهرست