عنصرية تفسد بالموت بالتفرق والتلاشي وأمر آخر وراء ذلك علوي غير مادي لا يفسد بالموت بل يتوفى ويحفظ عند الله، وهو الذي يسميه القرآن بالروح قال تعالى: (ونفخت فيه من روحي) الحجر: 29، وقال بعد ذكر خلق الانسان من نطفة ثم من علقة ثم مضغة ثم تتميم خلق بدنه: (ثم أنشأناه خلقا آخر) المؤمنون: 14، وقال: (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم) ألم السجدة: 11.
فالناظر في خلق الانسان ناظر في آية ملكوتية وراء الآيات المادية وكذا الناظر في خلق الدواب ولها نفوس ذوات حياة وشعور وإن كانت دون الانسان في حياتها وشعورها كما أنها دونه في تجهيزاتها البدنية ففي الجميع آيات لأهل اليقين يعرفون بها الله سبحانه بأنه واحد لا شريك له في ربوبيته وألوهيته.
قوله تعالى: (واختلاف الليل والنهار) إلى آخر الآية هذا القبيل من الآيات آيات ما بين السماء والأرض.
وقوله: (واختلاف الليل والنهار) يريد به اختلافهما في الطول والقصر اختلافا منظما باختلاف الفصول الأربعة بحسب بقاع الأرض المختلفة ويتكرر بتكرر السنين يدبر سبحانه بذلك أقوات أهل الأرض ويربيهم بذلك تربية صالحة قال تعالى: (وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين) حم السجدة: 10.
وقوله: (وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها) المراد بالرزق الذي ينزله الله من السماء هو المطر تسمية للسبب باسم المسبب مجازا أو لان المطر أيضا من الرزق فإن مياه الأرض من المطر، والمراد بالسماء جهة العلو أو السحاب مجازا، وإحياء الأرض به بعد موتها هو إحياء ما فيها من النبات بالأخذ في الرشد والنمو، ولا يخلو التعرض للاحياء بعد الموت من تلويح إلى المعاد.
وقوله: (وتصريف الرياح) أي تحويلها وإرسالها من جانب إلى جانب، لتصريفها فوائد عامة كثيرة من أعمها سوق السحب إلى أقطار الأرض وتلقيح النباتات ودفع العفونات والروائح المنتنة.
وقوله: (آيات لقوم يعقلون) أي يميزون بين الحق والباطل والحسن والقبيح بالعقل الذي أودعه الله سبحانه فيهم.
وقد خص كل قبيل من الآيات بقوم خاص فخصت آية السماوات والأرض