الخلقة مخاطبا بها إبليس: " الحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين " ص: 85 والمراد بتبعية إبليس طاعته فيما يأمر به بالوسوسة والتسويل بحيث تثبت الغواية وترسخ في النفس كما يشير إليه قوله تعالى خطابا لإبليس: " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين " الحجر: 43.
ولازمه الطغيان والاستكبار على الحق كما يشير إليه ما يحكيه الله من تساؤل المتبوعين والتابعين في النار: " بل كنتم قوما طاغين فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون فأغويناكم إنا كنا غاوين " الصافات: 32، وقوله: " ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين " الزمر: 72.
ولازمه الانكباب على الدنيا والاعراض عن الآخرة بالمرة ورسوخ ذلك في نفوسهم قال تعالى: " ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون " النحل: 108 فيطبع الله على قلوبهم ومن آثاره أن لا سبيل لهم إلى الايمان قال تعالى: " إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون " يونس: 96.
وبما تقدم ظهر أن الفاء في قوله: " فهم لا يؤمنون " للتفريع لا للتعليل كما احتمله بعضهم.
قوله تعالى: " إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون " الأعناق جمع عنق بضمتين وهو الجيد، والاغلال جمع غل بالكسر وهي على ما قيل ما تشد به اليد إلى العنق للتعذيب والتشديد، ومقمحون اسم مفعول من الاقماح وهو رفع الرأس كأنهم قد ملأت الأغلال ما بين صدورهم إلى أذقانهم فبقيت رؤوسهم مرفوعة إلى السماء لا يتأتى لهم أن ينكسوها فينظروا إلى ما بين أيديهم من الطريق فيعرفوها ويميزوها من غيرها.
وتنكير قوله: " أغلالا " للتفخيم والتهويل.
والآية في مقام التعليل لقوله السابق: " فهم لا يؤمنون ".