المادة المشتركة التي لا اختلاف فيها فاختلاف العناصر المكونة منها يدل على عامل آخر وراء المادة يدبر أمرها ويسوقها إلى غايات مختلفة.
والظاهر أن المراد باختلاف ألوان الثمرات اختلاف نفس ألوانها ويلزمه اختلافات أخر من حيث الطعم والرائحة والخواص، وقيل المراد باختلاف الألوان اختلاف الأنواع فكثيرا ما يطلق اللون في الفواكه والأطعمة على النوع كما يقال: قدم فلان ألوانا من الطعام والفاكهة فهو من الكناية، وقوله بعد: " ومن الجبال جدد بيض وحمر " لا يخلو من تأييد للوجه الأول.
وفي قوله: " فأخرجنا به " الخ. التفات من الغيبة إلى التكلم. قيل: إن ذلك لكمال الاعتناء بالفعل لما فيه من الصنع البديع المنبئ عن كمال القدرة والحكمة.
ونظير الوجه يجري في قوله السابق: " إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا " وأما ما في الآية السابقة من قوله: " ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير " فلعل الوجه فيه أن أمرهم إلى الله لا يتخلل بينه وبينهم أحد حتى يشفع لهم أو ينصرهم فينجوا من العذاب.
و قوله: " ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود " الجدد بالضم فالفتح جمع جدة بضم الجيم وهي الطريقة والجادة، والبيض والحمر جمع أبيض وأحمر، والظاهر أن قوله: " مختلف ألوانها " صفة لجدد و " ألوانها " فاعل " مختلف " ولو كانت الجملة مبتدء وخبرا لقيل: مختلفة ألوانها كما قيل، والغرابيب جمع غربيب وهو الأسود الشديد السواد ومنه الغراب و " سود " بدل أو عطف بيان لغرابيب.
والمعنى: ألم تر أن من الجبال طرائق بيض وحمر وسود مختلف ألوانها، والمراد إما الطرق المسلوكة في الجبال ولها ألوان مختلفة، وإما نفس الجبال التي هي خطوط مختلفة ممدودة على وجه الأرض بيض وحمر وسود مختلف ألوانها.
قوله تعالى: " ومن الناس والدواب والانعام مختلف ألوانه كذلك " أي ومن الناس والدواب التي تدب في الأرض والانعام كالإبل والغنم والبقر بعض مختلف ألوانه بالبياض والحمرة و السواد كاختلاف الثمرات والجبال في ألوانها.