ويحتمل أن يكون راجعا إلى عبادنا - من غير إفادة الإضافة للتشريف - فيكون قوله: " فمنهم " مفيدا للتعليل والمعنى إنما أورثنا الكتاب بعض عبادنا وهم المصطفون لا جميع العباد لان من عبادنا من هو ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق ولا يصلح الكل للوراثة.
ويمكن تأييد أول الاحتمالين بأن لا مانع من نسبة الوراثة إلى الكل مع قيام البعض بها حقيقة كما نجد نظيره في قوله تعالى: " وأورثنا بني إسرائيل الكتاب " المؤمن: 54 وما في الآية من المقابلة بين الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات يعطي أن المراد بالظالم لنفسه من عليه شئ من السيئات وهو مسلم من أهل القرآن لكونه مصطفى ووارثا، والمراد بالمقتصد المتوسط الذي هو في قصد السبيل وسواء الطريق والمراد بالسابق بالخيرات بإذن الله من سبق الظالم والمقتصد إلى درجات القرب فهو أمام غيره بإذن الله بسبب فعل الخيرات قال تعالى: " والسابقون السابقون أولئك المقربون " الواقعة: 11.
وقوله تعالى: " ذلك هو الفضل الكبير " أي ما تقدم من الايراث هو الفضل الكبير من الله لا دخل للكسب فيه.
هذا ما يعطيه السياق وتفيده الاخبار من معنى الآية وفيها للقوم اختلاف عجيب فقد اختلف في " ثم " فقيل: هي للتراخي بحسب الاخبار، وقيل: للتراخي الرتبي، وقيل: للتراخي الزماني. ثم العطف على " أوحينا " أو على " الذي أوحينا ".
واختلف في " أورثنا " فقيل: هو على ظاهره، وقيل: معناه حكمنا بإيراثه وقدرناه، واختلف في الكتاب فقيل: المراد به القرآن، وقيل: جنس الكتب السماوية، واختلف في " الذين اصطفينا " فقيل: المراد بهم الأنبياء، وقيل: بنو إسرائيل، وقيل: أمة محمد، وقيل: العلماء منهم، وقيل: ذرية النبي من ولد فاطمة عليها السلام.
واختلف في " من عبادنا " فقيل: من للتبعيض أو للابتداء أو للتبيين ويختلف المراد من العباد بحسب اختلاف معنى " من " وكذا إضافة " عبادنا " للتشريف على بعض الوجوه ولغيره على بعضها.