وعلى هذا يختلف السمع والابصار والجلود فيما شهدت عليه فالسمع والابصار تشهد على معصية العبد وإن لم تكن بسببهما والجلود تشهد على المعصية التي كانت هي آلات لها بالمباشرة، وهذا الفرق هو السبب لتخصيصهم الجلود بالخطاب في قولهم: " لم شهدتم علينا " على ما سيجئ.
والمراد بالجلود على ظاهر إطلاق الآية مطلق الجلود وشهادتها على أنواع المعاصي التي تتم بالجلود من التمتعات المحرمة كالزنا ونحوه، ويمكن حينئذ أن تعمم الجلود بحيث تشمل شهادتها ما شهدت الأيدي والأرجل المذكورة في قوله: " اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم " يس: 65 على بعد.
وقيل: المراد بالجلود الفروج وقد كني بها عنها تأدبا.
قوله تعالى: " وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا " اعتراض وعتاب منهم لجلودهم في شهادتها عليهم، وقيل: الاستفهام للتعجب فهو سؤال عن السبب لرفع التعجب وإنما خصوها بالسؤال دون سمعهم وأبصارهم مع اشتراكها في الشهادة لان الجلود شهدت على ما كانت هي بنفسها أسبابا وآلات مباشرة له بخلاف السمع والابصار فإنها كسائر الشهداء تشهد بما ارتكبه غيرها.
وقيل: تخصيص الجلود بالذكر تقريع لهم وزيادة تشنيع وفضاحة وخاصة لو كان المراد بالجلود الفروج وقيل غير ذلك.
قوله تعالى: " قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ " الخ إرجاع ضمير أولى العقل إلى الجوارح لمكان نسبة الشهادة والنطق إليها وذلك من شؤون اولي العقل.
والمتيقن من معنى النطق إذا استعمل على الحقيقة من غير تجوز هو إظهار ما في الضمير من طريق التكلم فيتوقف على علم وكشفه لغيره، قال الراغب: ولا يكاد يستعمل النطق في غير الانسان إلا تبعا وبنوع من التشبيه وظاهر سياق الآيات وما فيها من ألفاظ القول والتكلم والشهادة والنطق أن المراد بالنطق ما هو حقيقة معناه.
فشهادة الأعضاء على المجرمين كانت نطقا وتكلما حقيقة عن علم تحملته سابقا بدليل قولها: " أنطقنا الله ". ثم إن قولها: " أنطقنا الله " جوابا عن قول المجرمين: