الخ لا شك أن الله سبحانه خالق كل شئ لا موجد غيره فلا يحول بين خلقه وبينه شئ ولا يحجب خلقه من حاجب فهو تعالى مع كل شئ أينما كان وكيفما كان قال تعالى:
" إن الله على كل شئ شهيد " الحج: 17 وقال: " وكان الله على كل شئ رقيبا " الأحزاب: 52.
فالانسان أينما كان كان الله معه، وأي عمل عمله كان الله مع عمله، وأي عضو من أعضائه استعمله وأي سبب أو أداة أو طريق اتخذه لعمله كان مع ذلك العضو والسبب والأداة والطريق قال تعالى: " وهو معكم أينما كنتم " الحديد: 4، وقال: " أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت " الرعد: 33، وقال: " إن ربك لبالمرصاد " الفجر: 14.
ومن هنا يستنتج أن الانسان - وهو جار في عمله - واقع بين مراصد كثيرة يرصده من كل منها ربه ويرقبه ويشهده فمرتكب المعصية وهو متوغل في سيئته غافل عنه تعالى في جهل عظيم بمقام ربه واستهانة به سبحانه وهو يرصده ويرقبه.
وهذه الحقيقة هي التي تشير إليه الآية أعني قوله: " وما كنتم تستترون " الخ على ما يعطيه السياق.
فقوله: " وما كنتم تستترون " نفي لاستتارهم وهم في المعاصي قبلا وهم في الدنيا وقوله: " أن يشهد " الخ منصوب بنزع الخافض والتقدير من أن يشهد الخ.
وقوله: " ولكن ظننتم أن الله لا يعلم " استدراك في معنى الاضراب عن محذوف يدل عليه صدر الآية، والتقدير ولم تظنوا أنها لا تعلم أعمالكم ولكن ظننتم الخ والآية تقريع وتوبيخ للمشركين أو لمطلق المجرمين يوجه إليهم يوم القيامة من قبله تعالى.
ومحصل المعنى وما كنتم تستخفون في الدنيا عند المعاصي من شهادة أعضائكم التي تستعملونها في معصية الله ولم يكن ذلك لظنكم أنها لا إدراك فيها لعملكم بل لظنكم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون أي لم تستهينوا عند المعصية بشهادة أعضائكم وإنما استهنتم بشهادتنا.
فالاستدراك ومعنى الاضراب في الآية نظير ما في قوله تعالى: " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " الأنفال: 17، وقوله: " وما ظلمونا ولكن كانوا أنفهم