مكروه واقع وشر لازم كالسيئات التي يحزنون من اكتسابها والخيرات التي يحزنون لفوتها عنهم فيطيب الملائكة أنفسهم أنهم في أمن من أن يخافوا شيئا أو يحزنوا لشئ فالذنوب مغفورة لهم والعذاب مصروف عنهم.
ثم يبشرونهم بالجنة الموعودة بقولهم: " وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون " وفي قولهم: " كنتم توعدون " دلالة على أن تنزلهم بهذه البشرى عليهم إنما هو بعد الحياة الدنيا.
قوله تعالى: " نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة " الخ من تتمة البشارة، وعلى هذا فذكر ولايتهم لهم في الحياة الدنيا مع انقضاء وقتها كما تقدم من باب التوطئة والتمهيد إلى ذكر الآخرة للإشارة إلى أن ولاية الآخرة مترتبة على ولاية الدنيا فكأنه قيل: نحن أولياؤكم في الآخرة كما كنا - لما كنا - أولياءكم في الحياة الدنيا وسنتولى أمركم بعد هذا كما توليناه قبل.
وكون الملائكة أولياء لهم لا ينافي كونه تعالى هو الولي لأنهم وسائط الرحمة والكرامة ليس لهم من الامر شئ، ولعل ذكر ولايتهم لهم في الآية دون ولايته تعالى للمقابلة والمقايسة بين أوليائه تعالى وأعدائه إذ قال في حق أعدائه: " وقيضنا لهم قرناء " الخ وقال في حق أوليائه عن لسان ملائكته: " نحن أولياؤكم ".
وبالمقابلة يستفاد أن المراد ولايتهم لهم بالتسديد والتأييد فإن الملائكة المسددين هم المخصوصون بأهل ولاية الله، وأما الملائكة الحرس وموكلوا الأرزاق والآجال وغيرهم فمشتركون بين المؤمن والكافر.
وقيل: الآية من كلام الله دون الملائكة.
وقوله: " ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون " ضمير " فيها " في الموضعين للآخرة، وأصل الشهوة نزوع النفس بقوة من قواها إلى ما تريده تلك القوة وتلتذ به كشهوة الطعام والشراب والنكاح، وأصل الادعاء - وهو افتعال من الدعاء - هو الطلب فالجملة الثانية أعني قوله: " ولكم فيها ما تدعون " أوسع نطاقا من الأولى أعني قوله: " لكم فيها ما تشتهي أنفسكم " فإن الشهوة طلب خاص ومطلق الطلب أعم منها.