" لم شهدتم علينا "؟ إراءة منها للسبب الذي أوجب نطقها وكشف عن العلم المدخر عندها المكنون في ضميرها فهي ملجأة إلى التكلم والنطق، ولا يضر ذلك نفوذ شهادتها وتمام الحجة بذلك فإنها إنما ألجئت إلى الكشف عما في ضميرها لا على الستر عليه والاخبار بخلافه كذبا وزورا حتى ينافي جواز الشهادة وتمام الحجة.
وقوله: " الذي أنطق كل شئ " توصيف لله سبحانه وإشارة إلى أن النطق ليس مختصا بالأعضاء حتى تختص هي بالسؤال بل هو عام شامل لكل شئ والسبب الموجب له هو الله سبحانه.
وقوله: " وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون " من تتمة الكلام السابق أو هو من كلامه، وهو احتجاج على علمه بأعمالهم وقد أنطق الجوارح بما علم.
يقول: إن وجودكم يبتدئ منه تعالى وينتهي إليه تعالى فعند ما تظهرون من كتم العدم - وهو خلقكم أول مرة - يعطيكم الوجود ويملككم الصفات والافعال فتنسب إليكم ثم ترجعون وتنتهون إليه فيرجع ما عندكم من ظاهر الملك الموهوب إليه فلا يبقى ملك إلا وهو لله سبحانه.
فهو سبحانه المالك لجميع ما عندكم أولا وآخرا فما عندكم من شئ في أول وجودكم هو الذي أعطاكموه وملكه لكم وهو أعلم بما أعطى وأودع، وما عندكم من شئ حينما ترجعون إليه هو الذي يقبضه منكم إليه ويملكه فكيف لا يعلمه، وانكشافه له سبحانه حينما يرجع إليه إنطاقه لكم وشهادتكم على أنفسكم عنده.
وبما مر من البيان يظهر وجه تقييد قوله: " وهو الذي خلقكم " بقوله: " أول مرة " فالمراد به أول وجودهم.
ولهم في قوله: " قالوا أنطقنا الله " في معنى الانطاق نظائر ما تقدم في قوله:
" شهدت عليهم " من الأقوال فمن قائل: إن الله يخلق لهم يومئذ العلم والقدرة على النطق فينطقون، ومن قائل: إنه يخلق عند الأعضاء أصواتا شبيهة بنطق الناطقين وهو المراد بنطقهم، ومن قائل: إن المراد بالنطق دلالة ظاهر الحال على ذلك.
وكذا في عموم قوله: " أنطق كل شئ " فقيل: هو مخصص بكل حي نطق إذ