تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٣٧٧
وأما كون كافة بمعنى جميعا وحالا من الناس، والمعنى: وما أرسلناك الا للناس جميعا فهم يمنعون عن تقدم الحال على صاحبه المجرور.
واعلم أن منطوق الآية وان كان راجعا إلى النبوة وفيها انتقال من الكلام في التوحيد إلى الكلام في النبوة على حد الآيات التالية، لكن في مدلولها حجة أخرى على التوحيد وذلك أن الرسالة من لوازم الربوبية التي شأنها تدبير الناس في طريق سعادتهم ومسيرهم إلى غايات وجودهم فعموم رسالته صلى الله عليه وآله وسلم وهو رسول الله تعالى لا رسول غيره دليل على أن الربوبية منحصرة في الله سبحانه فلو كان هناك رب غيره لجاءهم رسوله ولم يعم رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عمتهم واحتاجوا معه إلى غيره، وهذا معنى قول على ع - على ما روى - لو كان لربك شريك لأتتك رسله.
ويؤيده ما في ذيل الآية من قوله: (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) فان دالة انحصار الرسالة في رسل الله على انحصار الربوبية في الله عز اسمه أمس بجهل الناس من كونه صلى الله عليه وآله وسلم رسولا كافا لهم عن المعاصي بشيرا ونذيرا.
فمفاد الآية على هذا: لا يمكنهم أن يروك شريكا له والحال أنا لم نرسلك الا كافا لجميع الناس بشيرا ونذيرا ولو كان لهم اله غيرنا لم يسع لنا أن نرسلك إليهم وهم عباد لاله آخر والله أعلم.
قوله تعالى: (ويقولون متى هذا الوعد ان كنتم صادقين) سؤال عن وقت الجمع والفتح وهو البعث فالآية متصلة بقوله السابق: (قل يجمع بيننا ربنا) الآية، وهذا أيضا من شواهد ما قدمنا من المعنى لقوله: (وما أرسلناك الا كافة) والا كانت هذه الآية والتي بعدها متخللتين بين قوله: (وما أرسلناك) الآية، والآيات التالية المتعرضة لمسألة النبوة.
قوله تعالى: (قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون) أمر منه تعالى أن يجيبهم بأن لهم ميعاد يوم مقضى محتوم لا يتخلف عن الوقوع فهو واقع قطعا ولا يختلف وقت وقوعه البتة أي ان الله وعد به وعدا لا يخلفه الا أن وقت وقوعه مستور لا يعلمه الا الله سبحانه.
(٣٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 372 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 ... » »»
الفهرست