تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٣٧٣
القول الثابت الذي لا سبيل للبطلان والتبدل إليه.
وما ألطف ختم الآية بقوله تعالى: (وهو العلى الكبير) أي هو العلى الذي دونه كل شئ والكبير الذي يصغر عنده كل شئ فليس للملائكة المكرمين الا تلقى قوله الحق وامتثاله وطاعته كما يريد.
فقد تحصل من الآية الكريمة أن الملائكة فزعون في أنفسهم متذللون في ذواتهم ذاهلون عن كل شئ الا عن ربهم محدقون إلى ساحة العظمة والكبرياء في انتظار صدور الامر حتى يكشف عن قلوبهم الفزع، بصدور الامر ونزوله وهم مع ذلك طوائف مختلفة ذووا مقامات متفاوتة علوا ودنوا يتوسط كل عال في ايصال الامر النازل إلى من هو دونه.
فهم مع كونهم شفعاء وأسبابا متوسطة لا يشفعون ولا يتوسطون في حدوث حادث من حوادث الخلق والتدبير الا باذن خاص من ربهم في حدوثه فيتحملون الامر النازل إليهم حتى يحققوه في الكون من غير أن يستقلوا من أنفسهم في شئ أو يستبدوا برأي، ومن كان هذا شأنه لا يشعر بشئ الا طاعة ربه فيما يأمره به كيف يكون ربا مستقلا في أمره مفوضا إليه التدبير يعطى ما يشاء ويمنع ما يشاء؟
وفى الآية أقوال مختلفة أخر:
منها: أن ضمير (قلوبهم) و (قالوا) الثاني للمشركين دون الملائكة وضمير (قالوا) الأول للملائكة والمعنى: حتى إذا كشف الفزع عن قلوب المشركين وقت الفزع قالت الملائكة لهم: ماذا قال ربكم؟ قالت المشركون لهم: الحق فيعترفون بما أنكروه في الدنيا.
ومنها: أن ضمير (قلوبهم) للملائكة والمراد أن الملائكة الموكلين بالاعمال إذا صعدوا بأعمال العباد إلى السماء ولهم زجل وصوت عظيم خشيت الملائكة أنها الساعة فيفزعون ويخرون سجدا لله سبحانه حتى إذا كشف عن قلوبهم الفزع وعلموا أنه ليس الامر كذلك فسألوا ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق.
ومنها: أن الله لما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد فترة بينه وبين عيسى عليهما السلام لم ينزل فيها شئ من الوحي أنزل الله سبحانه جبريل بالوحي فلما نزل ظنت الملائكة أنه
(٣٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 ... » »»
الفهرست