نزل بشئ من أمر الساعة فصعقوا لذلك فجعل جبريل يمر بكل سماء ويكشف الفزع عن الملائكة الساكنين فيها فرفعوا رؤوسهم وقال بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم؟ قالوا:
الحق أي الوحي.
ومنها: أن الضمير للملائكة والمراد أن الله سبحانه إذا أوحى إلى بعض الملائكة غشي على الملائكة عند سماع الوحي ويصعقون ويخرون سجدا للآية العظيمة فإذا فزع عن قلوبهم سألت الملائكة ذلك الملك الذي أوحى إليه ماذا قال ربك؟ أو سأل بعضهم بعضا ماذا قال ربكم؟ فيعلمون أن الامر في غيرهم.
وأنت بعد التدبر في الآية الكريمة والتأمل فيما قدمناه تعلم وجه الضعف في هذه الأقوال وأن شيئا منها على تقدير صحته في نفسه لا يصلح تفسيرا لها.
قوله تعالى: (قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله) الخ، احتجاج آخر على المشركين من جهة الرزق الذي هو الملاك العمدة في اتخاذهم الالهة فإنهم يتعللون في عبادتهم الالهة بأنها ترضيهم فيوسعون لهم في رزقهم فيسعدون بذلك.
فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يسألهم من يرزقهم من السماوات والأرض؟ والجواب عنه أنه الله سبحانه لان الرزق خلق في نفسه ولا خالق - حتى عند المشركين - الا الله عز اسمه لكنهم يستنكفون عن الاعتراف به بألسنتهم وان أذعنت به قلوبهم ولذلك أمر أن ينوبهم في الجواب فقال: (قل الله).
وقوله: (وانا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) تتمة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا القول بعد القاء الحجة القاطعة ووضوح الحق في مسألة الألوهية مبنى على سلوك طريق الانصاف، ومفاده أن كل قول اما هدى أو ضلال لا ثالث لهما نفيا واثباتا ونحن وأنتم على قولين مختلفين لا يجتمعان فاما أن نكون نحن على هدى وأنتم في ضلال واما أن تكونوا أنتم على هدى ونحن في ضلال فانظروا بعين الانصاف إلى ما ألقى إليكم من الحجة وميزوا المهدى من الضال والمحق من المبطل.
واختلاف التعبير في قوليه: (على هدى) و (في ضلال) بلفظة على وفى - كما قيل - للإشارة إلى أن المهتدى كأنه مستعل على منار يتطلع على السبيل وغايتها التي فيها سعادته، والضال منغمر في ظلمة لا يدرى أين يضع قدمه والى أين يسير