تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٣٧٦
ثم ردع بنفسه وقال: كلا لا يكونون شركاء له لأنهم اما أن يروه الأصنام بما أنها معبودة لهم معدودة آلهتهم وهي أجسام ميتة خالية عن الحياة والعلم والقدرة واما أن يروه أرباب هذه الأصنام وهم الملائكة وغيرهم بجعل الأصنام تماثيل مشيرة إليهم وهم وان لم يخلوا عن حياة وعلم وقدرة الا أن ما لهم من صفات الكمال مفاضة عليهم من الله سبحانه لا استقلال لهم في شئ من هذه الصفات ولا في الافعال المتفرعة عليها فأين الاستقلال في التدبير الذي يدعون أنه مفوض إليهم؟ فالوجود الواجبي بكماله اللا متناهي يمنع أن يكون في خلقه من يشاركه في شئ من كماله.
اللهم الا أن يدعوا أنه شاركهم في بعض ماله من الشؤون لتدبير خلقه من غير صلاحية لهم ذاتية وهذا ينافي حكمته تعالى.
وقد أشير إلى هذه الحجة بقوله: (بل هو الله العزيز الحكيم) فان عزته تعالى - وهو منع جانبه أن يعدو إلى حريم كماله عاد لكونه لا يحد بحد - تمنع أن يشاركه في شئ من صفات كماله كالربوبية والألوهية المنتهيتين إلى الذات أحد غيره هذا لو كانت الشركة عن صلاحية ذاتية من الشريك ولو كانت عن إرادة جزافية منه من غير صلاحية حقيقة من الشريك فالحكمة الإلهية تمنع ذلك.
وقد تبين بذلك أن الآية متضمنة لحجة قاطعة برهانية فأحسن التدبر فيها.
قوله تعالى: (وما أرسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون) قال الراغب في المفردات: الكف كف الانسان وهي ما بها يقبض ويبسط وكففته أصبت كفه، وكففته أصبته بالكف ودفعته بها وتعورف الكف بالدفع على أي وجه كان بالكف كان أو غيرها حتى قيل: رجل مكفوف لمن قبض بصره، وقوله: وما أرسلناك الا كافة للناس أي كافا لهم عن المعاصي والهاء فيه للمبالغة كقولهم:
راوية وعلامة ونسابة. انتهى.
ويؤيد هذا المعنى توصيفه صلى الله عليه وآله وسلم بالبشير والنذير، فقوله: (بشيرا ونذيرا) حالان يبينان صفته لقوله: (كافة للناس).
وربما قيل: ان التقدير وما أرسلناك الا إرسالة كافة للناس ولا يخلو من تكلف وبعد.
(٣٧٦)
مفاتيح البحث: المنع (2)، العزّة (2)، الموت (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 371 372 373 374 375 376 377 378 379 380 381 ... » »»
الفهرست