تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٣٧٥
وماذا يراد به؟
قوله تعالى: (قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون) أي ان العمل وخاصة عمل الشر لا يتعدى عن عامله ولا يلحق وباله الا به فلا يسأل عنه غيره فلا تسألون عما أجرمنا بل نحن المسؤولون عنه ولا نسأل عما تعملون بل أنتم المسؤولون.
وهذا تمهيد لما في الآية التالية من حديث الجمع والفتح فان الطائفتين إذا اختلفا في الأعمال خيرا وشرا كان من الواجب أن يفتح بينهما ويتميز كل من الأخرى حتى يلحق به جزاء عمله من خير أو شر أو سعادة أو شقاء والذي يفتح ويميز هو الرب تعالى.
وفى التعبير عن عمل أنفسهم بالاجرام وفى ناحية المشركين بقوله: (تعملون) ولم يقل تجرمون أخذ بحسن الأدب في المناظرة.
قوله تعالى: (قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم) لما كان من الواجب أن يلحق بكل من المحسن والمسئ جزاء عمله وكان لازمه التمييز بينهما بالجمع ثم الفرق كان ذلك شأن مدبر الامر وهو الرب أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يذكرهم أن الذي يجمع بين الجميع ثم يفتح بينهم بالحق هو الله، فهو رب هؤلاء وأولئك فإنه هو الفتاح العليم يفتح بين كل شيئين بالخلق والتدبير فيتميز بذلك الشئ من الشئ كما قال: (أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما) الأنبياء: 30، وهو العليم بكل شئ.
فالآية تثبت البعث لتمييز المحسن من المسئ أولا ثم انحصار التمييز والجزاء في جانبه تعالى بانحصار الربوبية فيه ويبطل بذلك ربوبية من اتخذوه من الأرباب.
والفتاح من أسماء الله الحسنى والفتح ايجاد الفصل بين شيئين لفائدة تترتب عليه كفتح الباب للدخول بايجاد الفصل بين مصراعيه والفتح بين الشيئين ليتميز كل منهما عن الاخر بذاته وصفاته وأفعاله.
قوله تعالى: (قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم) أمر آخر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يسألهم أن يروه آلهتهم حتى يختبر هل فيهم الصفات الضرورية للإله المستحق للعبادة من الاستقلال بالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر؟ وهذا معنى قوله: (أروني الذين ألحقتم به شركاء) أي ألحقتموهم به شركاء له.
(٣٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 380 ... » »»
الفهرست