تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٣٧٢
لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون) النحل: 50، فالفزع هو التأثر والانقباض من الخوف وهو المراد بسجدتهم تذللا من خوف ربهم من فوقهم.
وبذلك يظهر أن المراد بفزعهم حتى يفزع عنهم أن التذلل غشي قلوبهم وهو تذللهم من حيث أنهم أسباب وشفعاء في نفوذ الأوامر الإلهية ووقوعه على ما صدر وكما أريد، وكشف هذا التذلل هو تلقيهم الامر الإلهي واشتغالهم بالعمل كأنهم بحيث لا يظهر من وجودهم الا فعلهم وطاعتهم لله فيما أمرهم به وأنه لا واسطة بين الله سبحانه وبين الفعل الا أمره فافهم ذلك.
وانما نسب الفزع والتفزيع إلى قلوبهم للدلالة على أنهم ذاهلون منصرفون عن أنفسهم وعن كل شئ الا ربهم وهم على هذه الحالة لا يشعرون بشئ غيره حتى إذا كشف الفزع عن قلوبهم عند صدور الامر الإلهي بلا مهل ولا تخلف فليس الامر بحيث يعطل أو يتأخر عن الوقوع، قال تعالى: (انما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) يس: 82، فالمستفاد من الآية نظرا إلى هذا المعنى أنهم في فزع حتى إذا أزيل فزعهم بصدور الامر الإلهي.
وقوله: (قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق) يدل على أنهم طوائف كثيرون يسأل بعضهم بعضا عن الامر الإلهي بعد صدوره وانكشاف الفزع عن قلوب السائلين.
ويتبين منه أن كشف الفزع ونزول الامر إلى بعضهم أسبق منه إلى بعض آخر فان لازم السؤال أن يكون المسؤول عالما بما سئل عنه قبل السائل.
فلهم مراتب مختلفة ومقامات متفاوتة بعضها فوق بعض تتلقى الدانية منها الامر الإلهي من العالية من غير تخلف ولا مهلة وهو طاعة الداني منهم للعالي، كما يستفاد ذلك أيضا بالتدبر في قوله تعالى: (وما منا الا له مقام معلوم) الصافات: 164، وقوله في وصف الروح الأمين: (ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين) التكوير: 21.
فبينهم مطاع ومطيع ولا طاعة مع ذلك الا لله سبحانه لان المطاع منهم لا شأن له الا ايصال ما وصل إليه من الامر الإلهي إلى مطيعه الذي دونه، ويمكن أن يستفاد ذلك من توصيف القول بالحق في قوله: (قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق) أي قال
(٣٧٢)
مفاتيح البحث: الفزع (5)، الخوف (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 367 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 ... » »»
الفهرست