تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ١٣٤
المستقيم متعوذا من غضبه ومن الضلال، ويحمله ثانيا على أن يتوجه بروحه وبدنه إلى ساحة العظمة والكبرياء ويذكر ربه بحمده والثناء عليه وتسبيحه وتكبيره ثم السلام على نفسه وأترابه وجميع الصالحين من عباد الله.
مضافا إلى حمله إياه على التطهر من الحدث والخبث في بدنه والطهارة في لباسه والتحرز عن الغصب في لباسه ومكانه واستقبال بيت ربه فالانسان لو داوم على صلاته مدة يسيرة واستعمل في اقامتها بعض الصدق أثبت ذلك في نفسه ملكة الارتداع عن الفحشاء والمنكر البتة، ولو أنك وكلت على نفسك من يربيها تربية صالحة تصلح بها لهذا الشأن وتتحلى بأدب العبودية لم يأمرك بأزيد مما تأمرك به الصلاة ولا روضك بأزيد مما تروضك به.
وقد استشكل على الآية بأنا كثيرا ما نجد من المصلين من لا يبالي ارتكاب الكبائر ولا يرتدع عن المنكرات فلا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر.
ولذلك ذكر بعضهم أن الصلاة في الآية بمعنى الدعاء والمراد الدعوة إلى أمر الله والمعنى: أقم الدعوة إلى أمر الله فان ذلك يردع الناس عن الفحشاء والمنكر. وفيه أنه صرف الكلام عن ظاهره.
وذكر آخرون أن الصلاة في الآية في معنى النكرة والمعنى أن بعض أنواع الصلاة أو أفرادها يوجب الانتهاء عن الفحشاء والمنكر وهو كذلك وليس المراد الاستغراق حتى يرد الاشكال.
وذكر قوم أن المراد نهيها عن الفحشاء والمنكر ما دامت قائمة والمصلى في صلاته كأنه قيل: ان المصلى ما دام مصليا في شغل من معصية الله باتيان الفحشاء والمنكر.
وقال بعضهم: ان الآية على ظاهرها والصلاة بمنزلة من ينهى ويقول: لا تفعل كذا ولا تقترف كذا لكن النهى لا يستوجب الانتهاء فليس نهى الصلاة بأعظم من نهيه تعالى كما في قوله: (ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر) النحل 90، ونهيه تعالى لا يستوجب الانتهاء وليس الاشكال الا مبنيا على توهم استلزام النهى للانتهاء وهو توهم باطل.
وعن بعضهم في دفع الاشكال أن الصلاة تقام لذكر الله كما قال تعالى: (أقم
(١٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 ... » »»
الفهرست