تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ١٣٨
رفقا ولينا في القول لا يتأذى به الخصم وأن يقترب المجادل من خصمه ويدنو منه حتى يتفقا ويتعاضدا لاظهار الحق من غير لجاج وعناد فإذا اجتمع فيها لين الكلام والاقتراب بوجه زادت حسنا على حسن فكانت أحسن.
ولهذا لما نهى عن مجادلتهم الا بالتي هي أحسن استثنى منه الذين ظلموا منهم، فان المراد بالظلم بقرينة السياق كون الخصم بحيث لا ينفعه الرفق واللين والاقتراب في المطلوب بل يتلقى حسن الجدال نوع مذلة وهوان للمجادل ويعتبره تمويها واحتيالا لصرفه عن معتقده فهؤلاء الظالمون لا ينجح معهم المجادلة بالأحسن.
ولهذا أيضا عقب الكلام ببيان كيفية الاقتراب معهم وبناء المجادلة على كلمة يجتمع فيها الخصمان فيتقاربان معه ويتعاضدان على ظهور الحق فقال: (وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم والهنا والهكم واحد ونحن له مسلمون) والمعنى ظاهر.
قوله تعالى: (وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا الا الكافرون) أي على تلك الصفة وهي الاسلام لله وتصديق كتبه ورسله أنزلنا إليك القرآن.
وقيل: المعنى: مثل ما أنزلنا إلى موسى وعيسى الكتاب أنزلنا إليك الكتاب وهو القرآن.
فقوله: (فالذين آتيناهم الكتاب) الخ، تفريع على نحو نزول الكتاب أي لما كان القرآن نازلا في الاسلام لله وتصديق كتبه ورسله فأهل الكتاب يؤمنون به بحسب الطبع لما عندهم من الايمان بالله وتصديق كتبه ورسله، ومن هؤلاء وهم المشركون من عبدة الأوثان من يؤمن به وما يجحد بآياتنا ولا ينكرها من أهل الكتاب وهؤلاء المشركين الا الكافرون وهم الساترون للحق بالباطل.
وقد احتمل أن يكون المراد بالذين آتيناهم الكتاب المسلمين والمشار إليه بهؤلاء أهل الكتاب وهو بعيد، ومثله في البعد ارجاع الضمير في (يؤمن به) إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وفى قوله: (ومن هؤلاء من يؤمن به) نوع استقلال لمن آمن به من المشركين.
قوله تعالى: (وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون) التلاوة هي القراءة سواء كانت عن حفظ أو عن كتاب مخطوط، والمراد به
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»
الفهرست