تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ١٣٥
الصلاة لذكرى) ومن كان ذاكر الله تعالى منعه ذلك عن الاتيان بما يكرهه وكل من تراه يصلى ويأتي بالفحشاء والمنكر فهو بحيث لو لم يصل لكان أشد اتيانا فقد أثرت الصلاة في تقليل فحشائه ومنكره.
وأنت خبير بأن شيئا من هذه الأجوبة لا يلائم سياق الحكم والتعليل في الآية فان الذي يعطيه السياق أن الامر بإقامة الصلاة انما علل بقوله: (ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) ليفيد أن الصلاة عمل عبادي يورث اقامته صفة روحية في الانسان تكون رادعة له عن الفحشاء والمنكر فتتنزه النفس عن الفحشاء والمنكر وتتطهر عن قذارة الذنوب والآثام.
فالمراد به التوسل إلى ملكة الارتداع التي هي من آثار طبيعة الصلاة بنحو الاقتضاء لا أنها أثر بعض أفراد طبيعة الصلاة كما في الجواب الثاني، ولا أنها أثر الاشتغال بالصلاة ما دام مشتغلا بها كما في الجواب الثالث، ولا أن المراد هو التوسل إلى تلقى نهى الصلاة فحسب من غير نظر إلى الانتهاء عن نهيها كأنه قيل أقم الصلاة لتسمع نهيها كما في الجواب الرابع، ولا أن المراد أقم الصلاة لينهاك الذكر الذي تشتمل عليه عن الفحشاء والمنكر كما في الجواب الخامس.
فالحق في الجواب أن الردع أثر طبيعة الصلاة التي هي توجه خاص عبادي إلى الله سبحانه وهو بنحو الاقتضاء دون الاستيجاب والعلية التامة فربما تخلف عن أثرها لمقارنة بعض الموانع التي تضعف الذكر وتقربه من الغفلة والانصراف عن حاق الذكر فكلما قوى الذكر وكمل الحضور والخشوع وتمحض الاخلاص زاد أثر الردع عن الفحشاء والمنكر وكلما ضعف ضعف الأثر.
وأنت إذا تأملت حال بعض من تسمى بالاسلام من الناس وهو تارك الصلاة وجدته يضيع بإضاعة الصلاة فريضة الصوم والحج والزكاة والخمس وعامة الواجبات الدينية ولا يفرق بين طاهر ونجس وحلال وحرام فيذهب لوجهه لا يلوي على شئ ثم إذا قست إليه حال من يأتي بأدنى مراتب الصلاة مما يسقط به التكليف، وجدته مرتدعا عن كثير مما يقترفه تارك الصلاة غير مكترث به ثم إذا قست إليه من هو فوقه في الاهتمام بأمر الصلاة وجدته أكثر ارتداعا منه وعلى هذا القياس.
(١٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 ... » »»
الفهرست