في أمره عنه تعالى هذا هو الحق الذي لا لعب فيه والجد الذي لا هزل فيه.
فلما تولى بعض خلقه أمر بعض لم يكن ذلك منه ولاية حق لكونه لا يملك شيئا بحقيقة معنى الملك بل كان ذلك منه جاريا على اللعب وتفويضه تعالى أمر التدبير إليه لعبا منه تعالى وتقدس إذ ليس الا فرضا لا حقيقة له ووهما لا واقع له وهو معنى اللعب.
ومنه يظهر أن ولاية من يدعون ولايته ليس لها الا اسم الولاية من غير مسمى كما أن بيت العنكبوت كذلك.
وقوله: (ان في ذلك لآية للمؤمنين) تخصيص المؤمنين بالذكر مع عموم الآية لهم ولغيرهم لكون المنتفعين بها هم المؤمنون دون غيرهم.
قوله تعالى: (أتل ما أوحى إليك من الكتاب وأقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر) الخ، لما ذكر اجمال قصص الأمم وما انتهى إليه شركهم وارتكابهم الفحشاء والمنكر من الشقاء اللازم والخسران الدائم انتقل من ذلك - مستأنفا للكلام - إلى أمره صلى الله عليه وآله وسلم بتلاوة ما أوحى إليه من الكتاب لكونه خير رادع عن الشرك وارتكاب الفحشاء والمنكر بما فيه من الآيات البينات التي تتضمن حججا نيرة على الحق وتشتمل على القصص والعبر والمواعظ والتبشير والانذار والوعد والوعيد يرتدع بتلاوة آياته تاليه ومن سمعه.
وشفعه بالامر بإقامة الصلاة التي هي خير العمل وعلل ذلك بقوله: (ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) والسياق يشهد أن المراد بهذا النهى ردع طبيعة العمل عن الفحشاء والمنكر بنحو الاقتضاء دون العلية التامة.
فلطبيعة هذا التوجه العبادي - إذ أتى به العبد وهو يكرره كل يوم خمس مرات ويداوم عليه وخاصة إذا زاول عليه في مجتمع صالح يؤتى فيه بمثل ما أتى به ويهتم فيه بما اهتم به - أن يردعه عن كل معصية كبيرة يستشنعه الذوق الديني كقتل النفس عدوانا وأكل مال اليتيم ظلما والزنا واللواط، وعن كل ما ينكره الطبع السليم والفطرة المستقيمة ردعا جامعا بين التلقين والعمل.
وذلك أنه يلقنه أولا بما فيه من الذكر الايمان بوحدانيته تعالى والرسالة وجزاء يوم الجزاء وأن يخاطب ربه باخلاص العبادة والاستعانة به وسؤال الهداية إلى صراطه