تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ١٤٥
ستموت لا محالة، والالتفات في قوله: (ثم إلينا ترجعون) من سياق التكلم وحده إلى سياق التكلم مع الغير للدلالة على العظمة.
ومحصل المعنى: أن الحياة الدنيا ليست الا أياما قلائل والموت وراءه ثم الرجوع إلينا للحساب فلا يصدنكم زينة الحياة الدنيا - وهي زينة فانية - عن التهيئ للقاء الله بالايمان والعمل ففيه السعادة الباقية وفى الحرمان منه هلاك مؤبد مخلد.
قوله تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا) الخ، بيان لاجر الايمان والعمل الصالح بعد الموت والرجوع إلى الله وفيه حث وترغيب للمؤمنين على الصبر في الله والتوكل على الله، والتبوئة الانزال على وجه الإقامة، والغرف جمع غرفة وهي في الدار، العلية العالية.
وقد بين تعالى أولا ثواب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم سماهم عاملين إذ قال:
(ونعم أجر العاملين) ثم فسر العاملين بقوله: (الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون) فعاد بذلك الصبر والتوكل سمة خاصة للمؤمنين فدل بذلك كله أن المؤمن انما يرضى عن ايمانه إذا صبر في الله وتوكل عليه، فعلى المؤمن أن يصبر في الله على كل أذى وجفوة ما يجد إلى العيشة الدينية سبيلا فإذا تعذرت عليه إقامة مراسم الدين في أرضه فليخرج وليهاجر إلى أرض غيرها وليصبر على ما يصيبه من التعب والعناء في الله.
قوله تعالى: (الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) وصف للعاملين، والصبر أعم من الصبر عند المصيبة والصبر على الطاعة والصبر على المعصية، وان كان المورد مورد الصبر عند المصيبة فهو المناسب لحال المؤمنين بمكة المأمورين بالهجرة.
قوله تعالى: (وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم) كأين للتكثير، وحمل الرزق هو ادخاره كما يفعله الانسان والنمل والفار والنحل من سائر الحيوان.
وفى الآية تطييب لنفس المؤمنين وتقوية لقلوبهم أنهم لو هاجروا في الله أتاهم رزقهم أينما كانوا ولا يموتون جوعا فرازقهم ربهم دون أوطانهم، يقول: وكثير من
(١٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 ... » »»
الفهرست