تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ١٤٤
(بيان) لما استفرغ الكلام في توبيخ من ارتد عن دينه من المؤمنين خوف الفتنة عطف الكلام على بقية المؤمنين ممن استضعفه المشركون بمكة وكانوا يهددونهم بالفتنة والعذاب فأمرهم أن يصبروا ويتوكلوا على ربهم وأن يهاجروا منها ان أشكل عليهم أمر الدين وإقامة فرائضه، وأن لا يخافوا أمر الرزق فان الرزق على الله سبحانه وهو يرزقهم ان ارتحلوا وهاجروا كما كان يرزقهم في مقامهم.
قوله تعالى: (يا عبادي الذين آمنوا ان أرضى واسعة فإياي فاعبدون) توجيه للخطاب إلى المؤمنين الذين وقعوا في أرض الكفر لا يقدرون على التظاهر بالدين الحق والاستنان بسنته ويدل على ذلك ذيل الآية.
وقوله: (ان أرضى واسعة) الذي يظهر من السياق أن المراد بالأرض هذه الأرض التي نعيش عليها واضافتها إلى ضمير التكلم للإشارة إلى أن جميع الأرض لا فرق عنده في أن يعبد في أي قطعة منها كانت، ووسعة الأرض كناية عن أنه ان امتنع في ناحية من نواحيها أخذ الدين الحق والعمل به فهناك نواح غيرها لا يمتنع فيها ذلك فعبادته تعالى وحده ليست بممتنعة على أي حال.
وقوله: (فإياي فاعبدون) الفاء الأولى للتفريع على سعة الأرض أي إذا كان كذلك فاعبدوني وحدي والفاء الثانية فاء الجزاء للشرط المحذوف المدلول عليه بالكلام والظاهر أن تقديم (إياي) لإفادة الحصر فيكون قصر قلب والمعنى: لا تعبدوا غيري بل اعبدوني، وقوله: (فاعبدون) قائم مقام الجزاء.
ومحصل المعنى: أن أرضى واسعة ان امتنع عليكم عبادتي في ناحية منها تسعكم لعبادتي أخرى منها فإذا كان كذلك فاعبدوني وحدي ولا تعبدوا غيري فان لم يمكنكم عبادتي في قطعة منها فهاجروا إلى غيرها واعبدوني وحدي فيها.
قوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون) الآية تأكيد للامر السابق في قوله: (فإياي فاعبدون) وكالتوطئة لقوله الآتي: (الذين صبروا) الخ.
وقوله: (كل نفس ذائقة الموت) من الاستعارة بالكناية والمراد أن كل نفس
(١٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»
الفهرست