تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٩٩
فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فاستعذر يومئذ من عبد الله بن أبي فقال وهو على المنبر:
يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهل بيتي فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي.
فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربت عنقه وإن من إخواننا من بني الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية فقال لسعد: كذبت لعمر الله ما تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد فقال لسعد بن عبادة: كذبت لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فتثاورا الحيان: الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول صلى الله عليه وآله وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت.
فبكيت يومي ذلك فلا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم فأصبح أبو اي عندي وقد بكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم ولا يرقأ لي دمع وأبو اي يظنان أن البكاء فالق كبدي.
فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكى فاستأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي فبينما نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم جلس ولم يجلس عندي منذ قيل في ما قيل قبلها وقد لبث شهر الا يوحي إليه في شأني بشئ، فتشهد حين جلس ثم قال: أما بعد يا عائشة إنه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرؤك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه.
فلما قضي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقالته قلص (1) دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

(1) قلص: اجتمع وانقبض.
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»
الفهرست