تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ١٠٢
يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم " التوبة: 61.
على أنا نقول: إن تسرب الفحشاء إلى أهل النبي ينفر القلوب عنه فمن الواجب أن يطهر الله سبحانه ساحة أزواج الأنبياء عن لوث الزنا والفحشاء وإلا لغت الدعوة وتثبت بهذه الحجة العقلية عفتهن واقعا لا ظاهرا فحسب، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أعرف بهذه الحجة منا فكيف جاز له أن يرتاب في أمر أهله برمي من رام أو شيوع من إفك.
وثانيها: أن الذي تدل عليه الروايات أن حديث الإفك كان جاريا بين الناس منذ بدأ به أصحاب الإفك إلى أن ختم بحدهم أكثر من شهر وقد كان حكم القذف مع عدم قيام الشهادة معلوما وهو جلد القاذف وتبرئة المقذوف شرعا فما معنى توقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن حد أصحاب الإفك هذه المدة الطويلة وانتظاره الوحي في أمرها حتى يشيع بين الناس وتتلقاه الألسن وتسير به الركبان ويتسع الخرق على الراتق؟
وما أتى به الوحي من العذر لا يزيد على ما تعينه آية القذف من براءة المقذوف حكما شرعيا ظاهريا.
فإن قيل: الذي نزل من العذر براءتها واقعا وطهارة ذيلها في نفس الامر وهذا أمر لا تكفي له آية حد القاذف، ولعل صبره صلى الله عليه وآله وسلم هذه المدة الطويلة إنما كان لأجله.
قلت: لا دلالة في شئ من هذه الآيات الست عشرة على ذلك، وإنما تثبت بالحجة العقلية السابقة الدالة على طهارة بيوت الأنبياء من لوثة الفحشاء.
أما الآيات العشر الأول التي فيها شائبة الاختصاص فأظهرها في الدلالة على براءتها قوله تعالى: " لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون " وقد استدل فيها على كذبهم بعدم إتيانهم بالشهداء، ومن الواضح أن عدم إقامة الشهادة إنما هو دليل البراءة الظاهرية أعني الحكم الشرعي بالبراءة دون البراءة الواقعية لوضوح عدم الملازمة.
وأما الآيات الست الأخيرة فقوله: " الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات " الخ عام من غير مخصص من جهة اللفظ فالذي تثبته من البراءة مشترك فيه بين جميع المقذوفين
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»
الفهرست