تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٤٠٨
والمعنى: وإذا تتلى عليهم آياتنا والحال أنها واضحات الدلالة تعرف وتشهد في وجوه الذين كفروا أثر الانكار يقربون من أن يبطشوا على الذين يتلون ويقرؤن عليهم آياتنا لما يأخذهم من الغيظ.
وقوله: " قل أفأنبؤكم بشر من ذلكم " تفريع على إنكارهم وتحرزهم من استماع القرآن أي قل: أفأخبركم بما هو شر من هذا الذي تعدونه شر أتحترزون منه وتتقون أن تسمعوه أفأخبركم به لتتقوه إن كنتم تتقون.
وقوله: " النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير " بيان للشر أي ذلكم الذي هو شر من هذا هي النار، وقوله: " وعدها الله " الخ بيان لكونه شرا.
قوله تعالى: " يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له " إلى آخر الآية خطاب للناس جميعا والعناية بالمشركين منهم.
وقوله: " ضرب مثل فاستمعوا له " المثل هو الوصف الذي يمثل الشئ في حاله سواء كان وصفا محققا واقعا أو مقدرا متخيلا كالأمثال التي تشتمل على محاورات الحيوانات والجمادات ومشافهاتها، وضرب المثل نصبه ليتفكر فيه كضرب الخيمة ليسكن فيها.
وهذا المثل هو قوله: " إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه " والمعنى أنه لو فرض أن آلهتهم شاؤوا أن يخلقوا ذبابا وهو أضعف الحيوانات عندهم لم يقدروا عليه ابدا وإن يسلبهم الذباب شيئا مما عليهم لا يستنقذوه بالانتزاع منه.
فهذا الوصف يمثل حال آلهتهم من دون الله في قدرتهم على الايجاد وعلى تدبير الامر حيث لا يقدرون على خلق ذباب وعلى تدبير أهون الأمور وهو استرداد ما أخذه الذباب منهم وأضرهم بذلك وكيف يستحق الدعوة والعبادة من كان هذا شأنه؟.
وقوله: " ضعف الطالب والمطلوب " مقتضى المقام أن يكون المراد بالطالب الالهة وهي الأصنام المدعوة فإن المفروض أنهم يطلبون خلق الذباب فلا يقدرون واستنقاذ ما سلبه إياهم فلا يقدرون، والمطلوب الذباب حيث يطلب ليخلق ويطلب ليستنقذ منه.
وفي هذه الجملة بيان غاية ضعفهم فإنهم أضعف من أضعف ما يستضعفه الناس من الحيوانات التي فيها شئ من الشعور والقدرة.
(٤٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 403 404 405 406 407 408 409 410 411 412 413 ... » »»
الفهرست