تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٤٠٦
من الأوامر والنواهي وقعا يسلمون له ولا أثر لنهي من لا يسلم للناهي طاعة ولا مولوية لكن هذا النهي لما كان معتمدا على الحجة لم يصر لغوا لا أثر له وهي صدر الآية.
فكأن الكفار من أهل الكتاب أو المشركين لما رأوا من عبادات الاسلام ما لا عهد لهم به في الشرائع السابقة كشريعة اليهود مثلا نازعوه في ذلك من أين جئت به ولا عهد به في الشرائع السابقة ولو كان من شرائع النبوة لعرفه المؤمنين من أمم الأنبياء الماضين؟ فأجاب الله سبحانه عن منازعتهم بما في الآية.
ومعناها أن كلا من الأمم كان لهم منسك هم ناسكوه وعبادة يعبدونها ولا يتعداهم إلى غيرهم لما أن الله سبحانه بدل منسك السابقين مما هو أحسن منه في حق اللاحقين لتقدمهم في الرقي الفكري واستعدادهم في اللاحق لما هو أكمل وأفضل من السابق فالمناسك السابقة منسوخة في حق اللاحقين فلا معنى لمنازعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما جاء به من المنسك المغاير لمناسك الأمم الماضين.
ولما كان نهيهم عن منازعته صلى الله عليه وآله وسلم في معنى أمره بطيب النفس من قبل نزاعهم ونهيه عن الاعتناء به عطف عليه قوله: " وادع إلى ربك " كأنه قيل: طب نفسا ولا تعبأ بمنازعتهم واشتغل بما أمرت به وهو الدعوة إلى ربك.
وعلل ذلك بقوله: " إنك لعلى هدى مستقيم " وتوصيف الهدي بالاستقامة وهي وصف الصراط الذي إليه الهداية من المجاز العقلي.
قوله تعالى: " وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون " سياق الآية السابقة يؤيد أن المراد بهذا الجدال المجادلة والمراء في أمر اختلاف منسكه صلى الله عليه وآله وسلم مع الشرائع السابقة بعد الاحتجاج عليه بنسخ الشرائع، وقد أمر صلى الله عليه وآله وسلم بإرجاعهم إلى حكم الله من غير أن يشتغل بالمجادلة معهم بمثل ما يجادلون.
وقيل: " المراد بقوله: " ن جادلوك " مطلق الجدال في أمر الدين، وقيل:
الجدال في أمر الذبيحة والسياق السابق لا يساعد عليه.
وقوله: " فقل الله أعلم بما تعملون " توطئة وتمهيد إلى إرجاعهم إلى حكم الله أي الله أعلم بعملكم ويحكم حكم من يعلم بحقيقة الحال، وإنما يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون وتخالفون الحق وأهله - والاختلاف والتخالف بمعنى كالاستباق والتسابق -.
قوله تعالى: " ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن
(٤٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 401 402 403 404 405 406 407 408 409 410 411 ... » »»
الفهرست