العصمة، وللكلام فيها بعض الاتصال بقوله السابق: " لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه " لانبائه عن الرسالة.
تبين الآية أولا أن لله رسلا من الملائكة ومن الناس، وثانيا أن هذه الرسالة ليست كيفما اتفقت وممن اتفق بل هي بالاصطفاء وتعيين من هو صالح لذلك.
وقوله: " إن الله سميع بصير " تعليل لأصل الارسال فإن الناس أعني النوع الانساني يحتاج حاجة فطرية إلى أن يهديهم الله سبحانه نحو سعادتهم وكمالهم المطلوب من خلقهم كسائر الأنواع الكونية فالحاجة نحو الهداية عامة، وظهور الحاجة فيهم وإن شئت فقل: إظهارهم الحاجة من أنفسهم سؤال منهم واستدعاء لما ترتفع به حاجتهم والله سبحانه سميع بصير يرى ببصره ما هم عليه من الحاجة الفطرية إلى الهداية ويسمع بسمعه سؤالهم ذلك.
فمقتضى سمعه وبصره تعالى أن يرسل إليهم رسولا ويهديهم به إلى سعادتهم التي خلقوا لنيلها والتلبس بها فما كل الناس بصالحين للاتصال بعالم القدس وفيهم الخبيث والطيب والطالح والصالح، والرسول رسولان رسول ملكي يأخذ الوحي منه تعالى ويؤديه إلى الرسول الانساني ورسول إنساني يأخذ الوحي من الرسول الملكي ويلقيه إلى الناس وبالجملة قوله: " إن الله سميع بصير " يتضمن الحجة على لزوم أصل الارسال، وأما معنى الاصطفاء والحجة على لزومه فهو ما يشير إليه قوله: " يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم.
قوله تعالى: " يعلم بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الأمور " ظاهر السياق أن ضمير الجمع في الموضعين للرسل من الملائكة والناس، ويشهد وقوع هذا التعبير فيهم في غير هذا الموضع كقوله تعالى حكاية عن ملائكة الوحي: " وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا " الآية مريم: 64، وقوله: " فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم " الجن: 28.
والآية - كما ترى - تنادي بأن ذكر علمه بما بين أيديهم وما خلفهم لدلالة على أنه تعالى مراقب للطريق الذي يسلكه الوحي فيما بينه وبين الناس حافظ له أن يختل في نفسه بنسيان أو تغيير أو يفسد بشئ من مكائد الشياطين وتسويلاتهم كل ذلك لان