قوله تعالى: " ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز " قدر الشئ هندسته وتعيين كميته ويكنى به عن منزلة الشئ التي تقتضيها أوصافه ونعوته يقال: قدر الشئ حق قدره أي نزله المنزلة التي يستحقها وعامله بما يليق به.
وقدره تعالى حق القدر أن يلتزم بما يقتضيه صفاته العليا ويعامل كما يستحقه بأن يتخذ ربا لا رب غيره ويعبد وحده لا معبود سواه لكن المشركين ما قدروه حق قدره إذ لم يتخذوه ربا ولم يعبدوه بل اتخذوا الأصنام أربابا من دونه وعبدوها دونه وهم يرون أنها لا تقدر على خلق ذباب ويمكن أن يستذلها ذباب فهي من الضعف والذلة في نهايتهما، والله سبحانه هو القوي العزيز الذي إليه ينتهي الخلق والامر وهو القائم بالايجاد والتدبير.
فقوله: " ما قدروا الله حق قدره " إشارة إلى عدم التزامهم بربوبيته تعالى وإعراضهم عن عبادته ثم اتخاذهم الأصنام أربابا من دونه يعبدونها خوفا وطمعا دونه تعالى. وقوله: " إن الله لقوي عزيز " تعليل للنفي السابق وقد أطلق القوة والعزة فأفاد أنه قوي لا يعرضه ضعف وعزيز لا تعتريه ذلة كما قال: " أن القوة لله جميعا " البقرة: 165، وقال: " فإن العزة لله جميعا " النساء: 139، وإنما خص الاسمين بالذكر لمقابلتهما ما في المثل المضروب من صفة آلهتهم وهو الضعف والذلة فهؤلاء استهانوا أمر ربهم إذ عدلوا بينه تعالى وهو القوى الذي يخلق ما يشاء والعزيز الذي لا يغلبه شئ ولا يستذله من سواه وبين الأصنام والالهة الذين يضعفون من خلق ذباب ويستذلهم ذباب ثم لم يرضوا بذلك حتى قدموهم عليه تعالى فاتخذوهم أربابا يعبدونهم دونه تعالى.
قوله تعالى: " الله اصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير " الاصطفاء أخذ صفوة الشئ وخالصته، قال الراغب: الاصطفاء تناول صفو الشئ كما أن الاختيار تناول خيره والاجتباء تناول جبايته. انتهى.
فاصطفاء الله تعالى من الملائكة رسلا ومن الناس اختياره من بينهم من يصفو لذلك ويصلح.
وهذه الآية والتي بعدها تبينان وجوب جعل الرسالة وصفتها وصفة الرسل وهي