تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٣٨٦
ففي الآية إشارة إلى أن القتال في الاسلام من فروع هذه السنة الفطرية الجارية وهي دفع الناس بعضهم بعضا عن شؤون حياتهم، وإذا نسب إلى الله سبحانه كل ذلك دفعه الناس بعضهم ببعض حفظا لدينه عن الضيعة.
وإنما اختص انهدام المعابد بالذكر مع أن من المعلوم أنه لولا هذا الدفع لم يقم أصل الدين على ساقه وانمحت جميع آثاره لان هذه المعابد والمعاهد هي الشعائر والاعلام الدالة على الدين المذكرة له الحافظة لصورته في الأذهان.
وقوله: " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز " قسم مع تأكيد بالغ على نصره تعالى من ينصره بالقتال ذبا عن الدين الإلهي ولقد صدق الله وعده فنصر المسلمين في حروبهم ومغازيهم فأيدهم على أعدائه ورفع ذكره ما كانوا ينصرونه.
والمعنى أقسم لينصرن الله من ينصره بالدفاع عن دينه إن الله لقوي لا يضعفه أحد ولا يمنعه شئ عما أراد عزيز منيع الجانب لا يتعدى إلى ساحة عزته ولا يعادله شئ في سلطنته وملكه.
ويظهر من الآية أنه كان في الشرائع السابقة حكم دفاعي في الجملة وإن لم يبين كيفيته.
قوله تعالى: " الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر " الخ توصيف آخر للذين آمنوا المذكورين في أول الآيات، وهو توصيف المجموع من حيث هو مجموع من غير نظر إلى الاشخاص والمراد من تمكينهم في الأرض إقدارهم على اختيار ما يريدونه من نحو الحياة من غير مانع يمنعهم أو مزاحم يزاحمهم.
يقول تعالى: إن من صفتهم أنهم إن تمكنوا في الأرض وأعطوا الحرية في اختيار ما يستحبونه من نحو الحياة عقدوا مجتمعا صالحا تقام فيه الصلاة وتؤتى فيه الزكاة ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، وتخصيص الصلاة من بين الجهات العبادية والزكاة من بين الجهات المالية بالذكر لكون كل منهما عمدة في بابها.
وإذ كان الوصف للذين آمنوا المذكورين في صدر الآيات والمراد به عقد مجتمع صالح وحكم الجهاد غير خاص بطائفة خاصة فالمراد بهم عامة المؤمنين يومئذ بل عامة المسلمين إلى يوم القيامة والخصيصة خصيصتهم بالطبع فمن طبع المسلم بما هو مسلم الصلاح وإن كان ربما غشيته الغواشي.
(٣٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 ... » »»
الفهرست