تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٣٨٥
الحق الذي هو قولهم: ربنا الله. وأنت خبير بأنه لا يناسب المقام فإن الآية في مقام بيان أنهم أخرجوا من ديارهم بغير حق لا أنهم إنما أخرجوا بهذا الحق لا بحق غيره.
وتوصيف الذين آمنوا بهذا الوصف - كونهم مخرجين من ديارهم - وهو وصف بعضهم وهم المهاجرون من باب توصيف الكل بوصف البعض بعناية الاتحاد والائتلاف فإن المؤمنين إخوة وهم يد واحدة على من سواهم، وتوصيف الأمم بوصف بعض الافراد في القرآن الكريم فوق حد الاحصاء.
وقوله: " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا " الصوامع جمع صومعة وهي بناء في أعلاه حدة كان يتخذ في الجبال والبراري ويسكنه الزهاد والمعتزلون من الناس للعبادة، والبيع جمع بيعة بكسر الباء معبد اليهود والنصارى، والصلوات جمع صلاة وهي مصلى اليهود سمي بها تسمية للمحل باسم الحال كما أريد بها المسجد في قوله تعالى: " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى - إلى قوله - ولا جنبا إلا عابري سبيل ".
وقيل: هي معرب " صلوثا " بالثاء المثلثة والقصر وهي بالعبرانية المصلى، والمساجد جمع مسجد وهو معبد المسلمين.
والآية وإن وقعت موقع التعليل بالنسبة إلى تشريع القتال والجهاد، ومحصلها أن تشريع القتال إنما هو لحفظ المجتمع الديني من شر أعداء الدين المهتمين بإطفاء نور الله فلو لا ذلك لانهدمت المعابد الدينية والمشاعر الإلهية ونسخت العبادات والمناسك.
لكن المراد بدفع الله الناس بعضهم ببعض أعم من القتال فإن دفع بعض الناس بعضا ذبا عن منافع الحياة وحفظا لاستقامة حال العيش سنة فطرية جارية بين الناس والسنن الفطرية منتهية إليه تعالى ويشهد به تجهيز الانسان كسائر الموجودات بأدوات وقوى تسهل له البطش ثم بالفكر الذي يهديه إلى اتخاذ وسائل الدفع والدفاع عن نفسه أو أي شأن من شؤون نفسه مما تتم به حياته وتتوقف عليه سعادته.
والدفع بالقتال آخر ما يتوسل إليه من الدفع إذا لم ينجع غيره من قبيل آخر الدواء الكي ففيه إقدام على فناء البعض لبقاء البعض وتحمل لمشقة في سبيل راحة سنة جارية في المجتمع الانساني بل في جميع الموجودات التي لها نفسية ما واستقلال ما.
(٣٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 ... » »»
الفهرست