تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٣٧٥
لكم وللأمم قبلكم هذا الحكم فإلهكم وإله من قبلكم إله واحد فأسلموا واستسلموا له بإخلاص عملكم له ولا تتقربوا في قرابينكم إلى غيره فالفاء في " فإلهكم " لتفريع السبب على المسبب وفي قوله: " فله أسلموا " لتفريع المسبب على السبب.
وقوله: " وبشر المخبتين فيه تلويح إلى أن من أسلم لله في حجه مخلصا فهو من المخبتين، وقد فسره بقوله: " الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون وانطباق الصفات المعدودة في الآية وهي الوجل والصبر وإقامة الصلاة والانفاق، على من حج البيت مسلما لربه معلوم.
قوله تعالى: " والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها " خير إلى آخر الآية البدن بالضم فالسكون جمع بدنة بفتحتين وهي السمينة الضخمة من الإبل، والسياق أنها من الشعائر باعتبار جعلها هديا.
وقوله: " فاذكروا اسم الله عليها صواف " الصواف جمع صافة ومعنى كونها صافة أن تكون قائمة قد صفت يداها ورجلاها وجمعت وقد ربطت يداها.
وقوله: " فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر " الوجوب السقوط يقال وجبت الشمس أي سقطت وغابت، والجنوب جمع جنب، والمراد بوجوب جنوبها سقوطها على الأرض على جنوبها وهو كناية عن موتها، والامر في قوله:
" فكلوا منها " للإباحة وارتفاع الحظر، والقانع هو الفقير الذي يقنع بما أعطيه سواء سأل أم لا، والمعتر هو الذي أتاك وقصدك من الفقراء، ومعنى الآية ظاهر.
قوله تعالى: " لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم " إلى آخر الآية بمنزلة دفع الدخل كأن متوهما بسيط الفهم يتوهم أن لله سبحانه نفعا في هذه الضحايا ولحومها ودمائها فأجيب أن الله سبحانه لن يناله شئ من لحومها ودمائها لتنزهه عن الجسمية وعن كل حاجة وإنما يناله التقوى نيلا معنويا فيقرب المتصفين به منه تعالى.
أو يتوهم أن الله سبحانه لما كان منزها عن الجسمية وعن كل نقص وحاجة ولا ينتفع بلحم أو دم فما معنى التضحية بهذه الضحايا فأجيب بتقرير الكلام وأن الامر كذلك لكن هذه التضحية يصحبها صفة معنوية لمن يتقرب بها وهذه الصفة المعنوية من شأنها أن تنال الله سبحانه بمعنى أن تصعد إليه تعالى وتقرب صاحبها منه تقريبا لا يبقى معه بينه وبينه حجاب يحجبه عنه.
(٣٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 380 ... » »»
الفهرست