تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٣٧٣
أو التقرب أو التوجه إليها أو مسها ونحو ذلك - مع أن الاجتناب إنما يتعلق على الحقيقة بالاعمال دون الأعيان - مبالغة ظاهرة.
وقد تبين بما مر أن " من " في قوله: " من الأوثان " بيانية، وذكر بعضهم أنها ابتدائية والمعنى: اجتنبوا الرجس الكائن من الأوثان وهو عبادتها، وذكر آخرون أنها تبعيضية، والمعنى: اجتنبوا الرجس الذي هو بعض جهات الأوثان وهو عبادتها، وفي الوجهين من التكلف وإخراج معنى الكلام عن استقامته ما لا يخفى.
قوله تعالى: " حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما حر من السماء فتخطفه الطير " الخ، الحنفاء جمع حنيف وهو المائل من الأطراف إلي حاق الوسط.
وكونهم حنفاء لله ميلهم عن الأغيار وهي الالهة من دون الله إليه فيتحد مع قوله غير مشركين به معنى.
وهما أعني قوله: حنفاء لله " وقوله: " غير مشركين به " حالان عن فاعل " فاجتنبوا " أي اجتنبوا التقرب من الأوثان والاهلال لها حال كونكم مائلين إليه ممن سواه غير مشركين به في حجكم فقد كان المشركون يلبون في الحج بقولهم لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك. وقوله: " ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير " أي تأخذه بسرعة، شبة المشرك في شركه وسقوطه به من أعلى درجات الانسانية إلى هاوية الضلال فيصيده الشيطان، بمن سقط من السماء فتأخذه الطير.
وقوله، " أو تهوى به الريح في مكان سحيق أي بعيد في الغاية وهو معطوف على " تخطفه الطير " تشبيه آخر من جهة البعد.
قوله تعالى: " ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب " " ذلك " خبر لمبتدأ محذوف أي الامر ذلك الذي قلنا، والشعائر جمع شعيرة وهي العلامة، وشعائر الله الاعلام التي نصبها الله تعالى لطاعته كما قال: إن الصفا والمروة من شعائر الله "، وقال: " والبدن جعلناها لكم من شعائر الله الآية.
والمراد بها البدن التي تساق هديا وتشعر أي يشق سنامها من الجانب الأيمن ليعلم أنها هدي على ما في تفسير أئمة أهل البيت عليهم السلام ويؤيده ظاهر قوله تلوا: " لكم فيها منافع " الخ، وقوله بعد: " والبدن جعلناها الآية، وقيل: المراد بها جميع
(٣٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 ... » »»
الفهرست