قوله تعالى: وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق " التأذين الاعلام برفع الصوت ولذا فسر بالنداء، والحج القصد سمى به العمل الخاص الذي شرعه أولا إبراهيم عليه السلام وجرت عليه شريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم لما فيه من قصد البيت الحرام، ورجال جمع راجل خلاف الراكب، والضامر المهزول الذي أضمره السير، والفج العميق - على ما قيل - الطريق البعيد.
وقوله: " وأذن في الناس بالحج " أي ناد الناس بقصد البيت أو بعمل الحج والجملة معطوفة على قوله: " لا تشرك بي شيئا " والمخاطب به إبراهيم وما قيل: إن المخاطب نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعيد من السياق.
وقوله: " يأتوك رجالا " الخ، جواب الامر أي أذن فيهم وإن تؤذن فيهم يأتوك راجلين وعلى كل بعير مهزول يأتين من كل طريق بعيد، ولفظة " كل " تفيد في أمثال هذه الموارد معنى الكثرة دون الاستغراق.
قوله تعالى: ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات " الخ، اللام للتعليل أو الغاية والجار والمجرور متعلق بقوله: " يأتوك " والمعنى يأتوك لشهادة منافع لهم أو يأتوك فيشهدوا منافع لهم وقد أطلقت المنافع ولم تتقيد بالدنيوية أو الأخروية.
والمنافع نوعان: منافع دنيوية وهي التي تتقدم بها حياة الانسان الاجتماعية ويصفو بها العيش وترفع بها الحوائج المتنوعة وتكمل بها النواقص المختلفة من أنواع التجارة والسياسة والولاية والتدبير وأقسام الرسوم والآداب والسنن والعادات ومختلف التعاونات والتعاضدات الاجتماعية وغيرها.
فإذا اجتمعت أقوام وأمم من مختلف مناطق الأرض وأصقاعها على ما لهم من اختلاف الأنساب والألوان والسنن والآداب ثم تعارفوا بينهم وكلمتهم واحدة هي كلمة الحق وإلههم واحد وهو الله عز اسمه ووجهتهم واحدة هي الكعبة البيت الحرام حملهم اتحاد الأرواح على تقارب الأشباح ووحدة القول على تشابه الفعل فأخذ هذا من ذاك ما يرتضيه وأعطاه ما يرضيه، واستعان قوم بآخرين في حل مشكلتهم وأعانوهم بما في مقدرتهم فيبدل كل مجتمع جزئي مجتمعا أرقي، ثم امتزجت المجتمعات فكونت مجتمعا وسيعا له من القوة والعدة مالا تقوم له الجبال الرواسي، ولا تقوى عليه أي قوه