هذا المكان.
وبذلك يتضح أن " أن " في قوله: " أن لا تشرك بي شيئا " مفسرة تفسر الوحي السابق باعتباره أنه قول من غير حاجة إلى تقدير أوحينا أو قلنا ونحوه.
ويتضح أيضا أن قوله: أن لا تشرك بي شيئا " ليس المراد به - وهو واقع في هذا السياق - النهي عن الشرك مطلقا وإن كان منهيا عنه مطلقا بل المنهي عنه فيه هو الشرك في العبادة التي يأتي بها حينما يقصد البيت للعبادة وبعبارة واضحة الشرك فيما يأتي به من أعمال الحج كالتلبية للأوثان والاهلال لها ونحوهما.
وكذا قوله: " وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود " والتطهير إزالة الاقذار والأدناس عن الشئ ليعود إلى ما يقتضيه طبعه الاولي، وقد أضاف البيت إلى نفسه إذ قال: " بيتي " أي بيتا يختص بعبادتي، وتطهير المعبد بما أنه معبد تنزيهه من الأعمال الدنسة والارجاس التي تفسد العبادة وليست إلا الشرك ومظاهره.
فتطهير بيته إما تنزيهه من الارجاس المعنوية خاصه بأن يشرع إبراهيم عليه السلام للناس ويعلمهم طريقا من العبادة لا يداخلها قذارة شرك ولا يدنسها دنسه كما أمر لنفسه بذلك، وإما إزالة مطلق النجاسات عن البيت أعم من الصورية والمعنوية لكن الذي يمس سياق الآية منها هو الرجس المعنوي فمحصل تطهير المعبد عن الارجاس المعنوية وتنزيهه عنها للعباد الذين يقصدونه بالعبادة وضع عبادة فيه خالصة لوجه الله لا يشوبها شائب شرك يعبدون الله سبحانه بها ولا يشركون به شيئا.
فالمعنى بناء على ما يهدي إليه السياق واذكر إذ أوحينا إلى إبراهيم أن اعبدني في بيتي هذا بأخذه مباءة ومرجعا لعبادتي ولا تشرك بي شيئا في عبادتي وسن لعبادي القاصدين بيتي من الطائفين والقائمين والركع السجود عبادة في بيتي خالصة من الشرك.
وفي الآية تلويح إلى أن عمدة عبادة القاصدين له طواف وقيام وركوع وسجود وإشعار بأن الركوع والسجود متقاربان كالمتلازمين لا ينفك أحدهما عن الاخر.
ومما قيل في الآية أن قوله: " بوأنا " معناه قلنا تبوء " وقيل: معناه " أعلمنا " ومن ذلك أن " أن " في قوله: " أن لا " مصدرية وقيل: مخففة من الثقيلة ومن ذلك أن المراد بالطائفين الطارؤن وبالقائمين المقيمون بمكة، وقيل: المراد بالقائمين والركع السجود: المصلون، وهي جميعا وجوه بعيده.