تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٣٦٧
ويؤيد ذلك أيضا تعقيبه بقوله: " سواء العاكف فيه والباد " أي المقيم فيه والخارج منه متساويان في أن لهما حق العبادة فيه لله، والمراد بالإقامة فيه وفي الخارج منه إما الإقامة بمكة وفي الخارج منها على طريق المجاز العقلي أو ملازمة المسجد للعبادة والطرو عليه لها.
وقوله: " ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم بيان لجزاء من ظلم الناس في هذا الحق المشروع لهم في المسجد ولازمه تحريم صد الناس عن دخوله للعبادة فيه ومفعول " يرد " محذوف للدلالة على العموم والباء في " بإلحاد " للملابسة وفي " بظلم " للسببية والجملة تدل على خبر قوله: إن الذين كفروا في صدر الآية.
والمعنى الذين كفروا ولا يزالون يمنعون الناس عن سبيل الله وهو دين الاسلام ويمنعون المؤمنين عن المسجد الحرام الذي جعلناه معبدا للناس يستوي فيه العاكف فيه والبادي نذيقهم من عذاب أليم لانهم يريدون الناس فيه بالحاد بظلم ومن يرد الناس فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم.
وللمفسرين في إعراب مفردات الآية وجملها أقاويل كثيرة جدا ولعل ما أوردناه أنسب للسياق.
قوله تعالى: " وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود " بوء له مكانا كذا أي جعله مباءة ومرجعا له يرجع إليه ويقصده، والمكان ما يستقر عليه الشئ فمكان البيت القطعة من الأرض التي بني فيها، والمراد بالقائمين على ما يعطيه السياق هم الناصبون أنفسهم للعبادة والصلاة والركع جمع راكع كسجد جمع ساجد والسجود جمع ساجد كالركوع جمع راكع.
وقوله: " وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت " الظرف فيه متعلق بمقدر أي واذكر وقت كذا وفيه تذكير لقصة جعل البيت معبدا للناس ليتضح به أن صد المؤمنين عن المسجد الحرام ليس إلا إلحادا بظلم.
وتبوئته تعالى مكان البيت لإبراهيم هي جعل مكانه مباءة ومرجعا لعبادته لا لان يتخذه بيت سكني يسكن فيه، ويلوح إليه قوله بعد " طهر بيتي " بإضافة البيت إلى نفسه، ولا ريب أن هذا الجعل كان وحيا لإبراهيم فقوله: بوأنا لإبراهيم مكان البيت " في معنى قولنا: أوحينا إلى إبراهيم أن اتخذ هذا المكان مباءة ومرجعا لعبادتي وإن شئت فقل: أوحينا إليه أن اقصد هذا المكان لعبادتي، وبعبارة أخرى أن اعبدني في
(٣٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 362 363 364 365 366 367 368 369 370 371 372 ... » »»
الفهرست