قوله تعالى: " إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة " الخ. المراد بالذين آمنوا بقرينة المقابلة هم الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وكتابهم القرآن.
والذين هادوا هم المؤمنين بموسى من قبله من الرسل الواقفون فيه وكتابهم التوراة وقد أحرقها بخت نصر ملك بابل حينما استولى عليهم في أواسط القرن السابع قبل المسيح فافتقدوها برهة ثم جدد كتابتها لهم عزراء الكاهن في أوائل القرن السادس قبل المسيح حينما فتح كوروش ملك إيران بابل وتخلص بنو إسرائيل من الاسارة ورجعوا إلى الأرض المقدسة.
والصابئون ليس المراد بهم عبدة الكواكب من الوثنية بدليل ما في الآية من المقابلة بينهم وبين الذين أشركوا بل هم - على ما قيل - قوم متوسطون بين اليهودية والمجوسية ولهم كتاب ينسبونه إلى يحيى بن زكريا النبي ويسمى الواحد منهم اليوم عند العامة " صبي " وقد تقدم لهم ذكر في ذيل قوله: " إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين: البقرة: 62.
والنصارى هم المؤمنون بالمسيح عيسى بن مريم عليه السلام ومن قبله من الأنبياء وكتبهم المقدسة الأناجيل الأربعة للوقا ومرقس ومتى ويوحنا وكتب العهد القديم على ما اعتبرته وقدسته الكنيسة لكن القرآن يذكر أن كتابهم الإنجيل النازل على عيسى عليه السلام.
والمجوس المعروف أنهم المؤمنون بزرتشت وكتابهم المقدس " أوستا " غير أن تاريخ حياته وزمان ظهوره مبهم جدا كالمنقطع خبره وقد افتقدوا الكتاب باستيلاء إسكندر على إيران ثم جددت كتابته في زمن ملوك ساسان فأشكل بذلك الحصول على حاق مذهبهم والمسلم أنهم يثبتون لتدبير العالم مبدأين مبدء الخير ومبدء الشر - يزدان وأهريمن أو النور والظلمة - ويقدسون الملائكة ويتقربون إليهم من غير أن يتخذوا لهم أصناما كالوثنية، ويقدسون البسائط العنصرية وخاصة النار وكانت لهم بيوت نيران بإيران والصين والهند وغيرها وينهون الجميع إلى " اهورامزدا " موجد الكل.
والذين أشركوا هم الوثنية عبدة الأصنام، وأصول مذاهبهم ثلاثة: الوثنية الصابئة والبرهمانية والبوذية، وقد كان هناك أقوام آخرون يعبدون من الأصنام ما