تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٣٥٩
شاؤوا كما شاؤوا من غير أن يبنوه على أصل منظم كعرب الحجاز وطوائف في أطراف المعمورة وقد تقدم تفصيل القول فيهم في الجزء العاشر من الكتاب.
وقوله: " إن ربك يفصل بينهم يوم القيامة المراد به فصل القضاء فيما اختلف فيه أصحاب هذه المذاهب واختصموا فينفصل المحق منهم ويتميز من المبطل انفصالا وتميزا لا يستره ساتر ولا يحجبه حاجب.
وتكرار إن في الآية للتأكيد دعى إلى ذلك طول الفصل بين " إن " في صدر الآية وبين خبرها ونظيره ما في قوله: " ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم " النحل: 110 وقوله " ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم " النحل: 119.
وقوله: " إن الله على كل شئ شهيد " تعليل للفصل أنه فصل بالحق.
قوله تعالى: " ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب " إلى آخر الآية، الظاهر أن الخطاب لكل من يرى ويصلح لان يخاطب، والمراد بالرؤية العلم، ويمكن أن يختص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ويكون المراد بالرؤية الرؤية القلبية كما قال فيه: " ما كذب الفؤاد ما رآى أفتمارونه على ما يرى " النجم: 12.
وتعميم السجدة لمثل الشمس والقمر والنجوم والجبال من غير أولى العقل دليل على أن المراد بها السجدة التكوينية وهي التذلل والصغار قبال عزته وكبريائه تعالى وتحت قهره وسلطنته، ولازمه أن يكون من في الأرض " شاملا لنوع الانسان من مؤمن وكافر إذ لا استثناء في السجدة التكوينية والتذلل الوجودي.
وعدم ذكر نفس السماوات والأرض في جملة الساجدين مع شمول الحكم لهما في الواقع يعطي أن معنى الكلام: أن المخلوقات العلوية والسفلية من ذي عقل وغير ذي عقل ساجدة لله متذللة في وجودها تجاه عزته وكبريائه، ولا تزال تسجد له تعالى سجودا تكوينيا اضطراريا.
وقوله: " وكثير من الناس " عطف على " من في السماوات " الخ. أي ويسجد
(٣٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 ... » »»
الفهرست