وقوله لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا " قد أورد فيما تقدم من قوله: " لعله يذكر أو يخشى " الذكر مقابلا للخشية ويستأنس منه أن المراد بالاتقاء ههنا هو التحرز من المعاداة واللجاج الذي هو لازم الخشية باحتمال الضرر دون الاتقاء المترتب على الايمان بإتيان الطاعات واجتناب المعاصي، ويكون المراد بإحداث الذكر لهم حصول التذكر فيهم وتتم المقابلة بين الذكر والتقوى من غير تكلف.
والمعنى - والله أعلم - لعلهم يتحرزون المعاداة مع الحق لحصول الخشية في قلوبهم باحتمال الخطر لاحتمال كونه حقا أو يحدث لهم ذكرا للحق يعتقدوا به.
قوله تعالى: " فتعالى الله الملك الحق تسبيح وتنزيه له عن كل ما لا يليق بساحة قدسه، وهو يقبل التفرع على إنزال القرآن وتصريف الوعيد فيه لهداية الناس والتفرع عليه وعلى ما ذكر قبله من حديث الحشر والجزاء وهذا هو الأنسب نظرا إلى انسلاك الجميع في سلك واحد وهو أنه تعالى ملك يتصرف في ملكه بهداية الناس إلى ما فيه صلاح أمرهم ثم إحضارهم وجزائهم على ما عملوا من خير أو شر.
فتعالى الله الذي يملك كل شئ ملكا مطلقا لا مانع من تصرفه ولا معقب لحكمه يرسل الرسل وينزل الكتب لهداية الناس وهو من شؤون ملكه ثم يبعثهم بعد موتهم ويحضرهم فيجزيهم على ما عملوا وقد عنوا للحي القيوم وهذا أيضا من شؤون ملكه فهو الملك في الأولى والآخرة وهو الحق الثابت على ما كان لا يزول عما هو عليه.
ويمكن أن يتفرع على جميع ما تقدم من قصة موسى وما فرع عليها إلى هنا ويكون بمنزلة ختم ذلك بالتسبيح والاستعظام.
قوله تعالى: " ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما " السياق يشهد بأن في الكلام تعرضا لتلقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحي القرآن، فضمير " وحيه " للقرآن، وقوله: " " ولا تعجل بالقرآن " نهي عن العجل بقراءته، ومعنى قوله: " من قبل أن يقضى إليك وحيه " من قبل أن يتم وحيه من ملك الوحي.
فيفيد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا جاءه الوحي بالقرآن يعجل بقراءة ما يوحى إليه قبل أن يتم الوحي فنهي عن أن يعجل في قراءته قبل انقضاء الوحي وتمامه فيكون الآية في معنى قوله تعالى في موضع آخر: " لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه " القيامة: 18.